ظاهر ، ولذا ذكرا معا في آل عمران وهنا وفي الأنبياء ، لتقاربهما في المعنى ، ليدل تعالى عباده على قدرته وعظمة سلطانه وأنه على ما يشاء قادر.
وعملا بمبدإ الانتقال في البيان والتعليم من الأسهل إلى الأصعب ، بدأ تعالى بقصة يحيىعليهالسلام ؛ لأن خلقه من أبوين كبيرين أقرب إلى العادة والتصديق من خلق الولد بلا أب ، ثم ذكر قصة عيسى ؛ لأنها أغرب من تلك.
التفسير والبيان :
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) أي واذكر يا محمد الرسول للناس في هذه السورة قصة مريم البتول بنت عمران من سلالة داود عليهالسلام ، وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل ، حين تنحّت ، واعتزلت من أهلها ، وتباعدت عنهم إلى مكان شرقي بيت المقدس أو المسجد المقدس ؛ لتنقطع إلى العبادة.
روى ابن جرير عن ابن عباس قال : إني لأعلم خلق الله لأي شيء اتخذت النصارى المشرق قبله ؛ لقول الله تعالى : (انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) واتخذوا ميلاد عيسى قبلة.
(فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً ، فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا ، فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) أي استترت منهم وتوارت بساتر أو حاجز يسترها عنهم لئلا يروها حال العبادة ، فأرسلنا إليها جبريلعليهالسلام ، متمثلا بصورة إنسان تام كامل ، لتأنس بكلامه ، ولئلا تنفر من محاورته في صورته الملكية ، فظنت أنه يريدها بسوء.
وقوله : (رُوحَنا) هو جبريل ، كما جاء في آية أخرى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [الشعراء ٢٦ / ١٩٣ ـ ١٩٤].