تعالى : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً ..) الآية [آل عمران ٣ / ٣٧] فلما ولدت أمرت بهز الجذع ؛ لأن قلبها قبل الولادة كان مشغولا بالعبادة متفرغا لها ، فلم تشغل أعضاؤها بتعب التكسب ، فلما ولدت عيسى وتعلق قلبها بحبه ، واشتغل سرها بحديثه وأمره ، أمرت بالكسب ، وردت إلى العادة بالتعلق بالأسباب ، كسائر العباد.
٧ ـ الرطب خير شيء للنفساء ، وكذلك التحنيك به للمولود ، فإذا عسرت الولادة لم يكن للمرأة خير من الرطب ، ولا للمريض خير من العسل.
٨ ـ في أمر مريم بالسكوت عن الكلام دليل على أن السكوت عن السفيه واجب ، ومن أذلّ الناس سفيه لم يجد مسافها.
٩ ـ من التزم بالنذر بألا يكلم أحدا من الآدميين ، أو نذر الصمت ، فذلك كان مشروعا في شريعة موسى وعيسى عليهماالسلام ، وليس في شريعتنا ، فلا يجوز نذر الصمت في شرعنا ؛ لما فيه من التضييق وتعذيب النفس ، كنذر القيام في الشمس ونحوه ، مما لم يجزه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد أمر ابن مسعود من فعل ذلك بالنطق بالكلام ، كما تقدم. وهذا هو الصحيح لحديث أبي إسرائيل : الذي نذر الصوم في الشمس ، فأمره النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن يتكلم ويتم صومه في الظل ، والحديث خرّجه البخاري عن ابن عباس. قال ابن زيد والسدّي كما تقدم : كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام.
ومن سنتنا نحن في الصيام الإمساك عن الكلام القبيح ، قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا : «إذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه ، فليقل : إني صائم» وقال أيضا فيما رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة : «من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».