(فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ) تبكيت لهم بأن الله إذا أراد شيئا أوجده بكلمة (كُنْ) : كان تعالى منزها عن شبه الخلق والحاجة في اتخاذ الولد ، بإحبال الإناث. وبعبارة أخرى : القادر على الخلق بالأمر الفوري ، قادر على خلق عيسى من غير أب.
(وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) بتقدير : قل ، بدليل : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) [المائدة ٥ / ١١٧] وعلى الفتح بتقدير : اذكر (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) هذا المذكور طريق مستقيم مؤد إلى الجنة. (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) أي اختلف النصارى في عيسى ، أهو ابن الله ، أم إله معه ، أم ثالث ثلاثة؟ فالأحزاب : فرق النصارى الثلاث أو اختلف اليهود والنصارى. (فَوَيْلٌ) كلمة عذاب أي فشدة عذاب ، أو واد في جهنم (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي ويل لهم بما ذكر وغيره (مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) من شهود أو حضور يوم عظيم هوله وحسابه وجزاؤه ، وهو يوم القيامة.
(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) أي بهم ، صيغة تعجب ، بمعنى : ما أسمعهم وما أبصرهم يوم يأتوننا في الآخرة ، أو يوم القيامة ، بعد ما كانوا صما عميا في الدنيا (لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي لكن الكافرون في الدنيا في خطأ بيّن ، به صموا عن سماع الحق ، وعموا عن إبصاره ، أي أعجب منهم يا مخاطب في سمعهم وإبصارهم في الآخرة ، بعد أن كانوا في الدنيا صميا عميا. وذكر كلمة (الظَّالِمُونَ) من إقامة الظاهر مقام المضمر ، إشعارا بأنهم ظلموا أنفسهم ، حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين ينفعهم.
(وَأَنْذِرْهُمْ) خوّف يا محمد كفار مكة (يَوْمَ الْحَسْرَةِ) هو يوم القيامة ، يوم يتحسر فيه المسيء على ترك الإحسان في الدنيا ، والمحسن على قلة إحسانه (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ) فرغ من الحساب ، وسيق الفريقان إلى الجنة والنار. (وَهُمْ) في الدنيا (فِي غَفْلَةٍ) عنه (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) به (نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) العقلاء وغيرهم بإهلاكهم (وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) فيه للجزاء.
إيضاح آية (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) بحديث صحيح :
روى الشيخان والترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يؤتى بالموت بهيئة كبش أملح (١) ، فينادي مناد : يا أهل الجنة ، فيشرئبون (٢) وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون : نعم ، هذا الموت ، وكلهم قد
__________________
(١) الأملح : الذي يخالط بياضه سواد.
(٢) يشرئبون : يمدون أعناقهم.