وليس معنى الجملتين في الآية هنا واحدا ، فإن الجملة الأولى تصف الزاني بأنه لا يرغب في العفيفات المؤمنات ، وإنما يميل إلى الزانية والمشركة ، والجملة الثانية تصف الزانية بأنه لا يرغب فيها المؤمنون الأعفاء ، وإنما يميل إليها الفجار والمشركون ، فكان المعنى مختلفا إذ لا يلزم عقلا من كون الزاني لا يرغب إلا في مثله أن الزانية لا يرغب فيها غير أمثالها ، وكانت الآية موضحة وجود التلاؤم والانسجام والتفاهم والاقتران من كلا الطرفين : الرجل والمرأة. وقد سمعنا كثيرا اليوم أن الممثلين والممثّلات ونحوهم من أهل الفن لا يتزوج الواحد منهم أو الواحدة إلا بمحترف فنا مماثلا ؛ لأن عنصر الغيرة في زعمهم يجب أن يرتفع ، ليستمر الفريقان في عملهما ، وإلا تعرض الزواج للهدم والفسخ والزوال ، فكما لا يألف العفيف ولا يقبل غير العفائف ، كذلك لا تقبل العفيفة الشريفة بحال إسفاف زوجها وتبذّله ، واختراقه حدود الصون والعفة ، ولربما كانت المرأة أشد غيظا وغضبا وتحرقا من الرجل في هذا ، وقد يكون العكس ، والمعول عليه وجود الدين والخلق والإحساس المرهف وتوافر الغيرة الدينية على الحرمات والأعراض ، والبعد عن جعل العلاقة بين الرجل والمرأة مجرد علاقة مادية شهوانية ، كما هو الشائع اليوم لدى الماديين الملحدين الذين رفعوا مسألة العرض من قاموس الأخلاق والقيم ، سواء في الشرق أو الغرب.
(وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي حرّم التزوج بالبغايا أو تزويج العفائف بالرجال الفجار على المؤمنين الأتقياء ، والمراد بالتحريم التنزه والتعفف مبالغة في التنفير ؛ لأنه تشبّه بالفسّاق ، وتعرض للتهمة ، وتسبب لسوء المقالة ، والطعن في النسب وغير ذلك من المفاسد.
وهذا رأي الجمهور كأبي بكر وعمر وجماعة من التابعين وفقهاء الأمصار جميعا ، فيجوز نكاح الزانية ، والزنى لا يوجب تحريمها على الزوج ، ولا يوجب الفرقة بينهما ، ويؤيدهم ما أخرجه الطبراني والدارقطني من حديث عائشة