قال ابن العربي : والفيصل في أنها يمين لا شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواه وتخليصه من العذاب ، وكيف يجوز لأحد أن يدّعي في الشريعة أن شاهدا يشهد لنفسه بما يوجب حكما على غيره ، هذا بعيد في الأصل ، معدوم في النظر (١).
والحكمة في تكرار الشهادات التغليظ والتشدد في أمر خطير يترتب عليه الحد والتشنيع وفسخ الزواج ونفي الولد إن وجد والتحريم المؤبد.
٤ ـ شروط المتلاعنين :ترتب عند العلماء على الخلاف في ألفاظ اللعان : شهادات أو أيمان اختلافهم في أوصاف المتلاعنين أو شروطهم ، فاشترط الحنفية والأوزاعي والثوري في الزوج الملاعن أن يكون أهلا للشهادة على المسلم ، وفي الزوجة أيضا أن تكون أهلا للشهادة على المسلم ، وأن تكون ممن يحد قاذفها ، فلا يصح اللعان إلا من زوجين حرين مسلمين ؛ لأن اللعان عندهم شهادة ، فلا لعان بين رقيقين ، ولا بين كافرين ، ولا بين المختلفين دينا أو حرية ورقا.
وأدلتهم قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) وأن كلمات اللعان من الزوج شهادات مؤكدات بأيمان ، وهي بدل من الشهود ، ولأن لعان الزوجة معارضة للعان الزوج. وأما كونها ممن يحد قاذفها ؛ فلأن اللعان بدل عن الحد في قذف الأجنبية. وروى ابن عبد البر عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا لعان بين مملوكين ولا كافرين». وروى الدارقطني عن ابن عمرو أيضا مرفوعا : «أربعة ليس بينهم لعان : ليس بين الحرة والعبد لعان ، وليس بين المسلم واليهودية لعان ، وليس بين المسلم والنصرانية لعان».
وذهب الجمهور إلى أن اللعان يصح من كل زوجين : مسلمين أو كافرين ، عدلين أو فاسقين ، محدودين في قذف أو غير محدودين ، حرين أو عبدين ؛
__________________
(١) أحكام القرآن : ٣ / ١٣٣٢