(بِآياتِنا) معجزاتنا. (إِنَّا مَعَكُمْ) يعني موسى وهارون وفرعون ، أو أجريا مجرى الجماعة. (مُسْتَمِعُونَ) ما تقولون وما يقال لكم وما يجري بينكما وبينه ، فأجعل لكما الغلبة عليه.
(إِنَّا رَسُولُ) أي إن كلّا منا رسول من الله إليك ، أو أراد به الجنس أو ضمنه معنى الإرسال والرسالة. (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا) أي بأن أرسل معنا إلى الشام ، (قالَ : أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا) أي فأتياه فقالا له ما ذكر ، فقال فرعون لموسى : ألم نكن ربّيناك في منازلنا. (وَلِيداً) طفلا صغيرا ، سمي بذلك لقربه من الولادة بعد فطامه. (وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) أي ثلاثين سنة ، يلبس من ملابس فرعون ، ويركب من مراكبه ، وكان يسمى ابنه. ثم خرج إلى مدين عشر سنين ، ثم عاد إليهم يدعوهم إلى الله ثلاثين ، ثم بقي بعد الإغراق لفرعون وقومه خمسين. (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) وهي قتل القبطي ، وبّخه به معظما إياه ، بعد ما عدّد عليه نعمته. (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) الجاحدين لنعمتي عليك بالتربية وعدم الاستعباد. وهو حال من تاء (فَعَلْتَ).
(قالَ : فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أي قال موسى : فعلتها حينئذ وأنا من المخطئين أو من الجاهلين ، قبل أن يؤتيني الله العلم والرسالة ، لأنه لم يتعمد قتله. (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ) خرجت من بينكم إلى مدين. (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) حكمة وعلما. (تَمُنُّها) تمنّ بها ، أي وتلك التربية نعمة تمتن علي بها ظاهرا ، وهي في الحقيقة تعبيدك بني إسرائيل وذبح أبنائهم ، أي اتخذتهم عبيدا ، ولم تستعبدني ، لا نعمة لك بذلك لظلمك باستعبادهم. وقدر بعضهم أول الكلام همزة استفهام للإنكار ، أي أو تلك نعمة تمنها علي وهي أن عبدت؟ والمعنى : تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها علي ، وأنك لم تستعبدني.
المناسبة :
هذه القصة التي ترددت في القرآن كثيرا في سور عديدة (١) يراد من ذكرها هنا تسلية النبيصلىاللهعليهوسلم عما يلقاه من قومه من صدود وإعراض وتكذيب ، فبعد أن ذكر الله تعالى تكذيب المشركين برسالته وإنذارهم وإثبات وحدانية الله لهم بإنبات النبات ، ذكر قصة موسى مع فرعون وقومه الذين كذبوه مع إثبات نبوته بالمعجزات البينات ، ولما لم تغن الآيات والنذر ، حاق بالمكذبين سوء العذاب ، وأغرقهم الله في اليم ، جزاء جحودهم وتكذيبهم.
__________________
(١) ذكرت قصة موسى في البقرة ، والأعراف ، ويونس ، وهود ، وطه ، والشعراء ، والنمل ، والقصص ، وغافر (المؤمن) ، والسجدة (فصلت) ، والنازعات ، بأساليب مختلفة.