عبد الله بن سلام : إنما طلب الهدهد ؛ لأنه احتاج إلى معرفة الماء على كم هو من وجه الأرض ، لأنه كان نزل في مفازة عدم فيها الماء ، وأن الهدهد كان يرى باطن الأرض وظاهرها ؛ فكان يخبر سليمان بموضع الماء ، ثم كانت الجن تخرجه في ساعة يسيرة ؛ تسلخ عنه وجه الأرض كما تسلخ الشاة.
قال القرطبي : في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته ، والمحافظة عليهم ، فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله ، فكيف بعظام الملك. ويرحم الله عمر بن الخطاب ، فإنه كان على سيرته ؛ قال : لو أن سخلة على شاطئ الفرات أخذها الذئب ، ليسأل عنها عمر (١). والخلاصة : استنبط العلماء من الآية استحباب تفقد الحاكم أحوال الرعية ، وكذلك تفقد الأصدقاء والأقارب.
٢ ـ قوله تعالى : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) دليل على أن الحدّ أي العقوبة على قدر الذنب ، لا على قدر الجسد ، ولكن يرفق بالمحدود في الزمان والصفة. وأما ذبحه فدليل على أن الله أباح له ذلك ، كما أباح ذبح البهائم والطير للأكل وغيره من المنافع.
٣ ـ قوله تعالى : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) أي علمت ما لم تعلمه من الأمر ، دليل على من قال : إن الأنبياء تعلم الغيب ، ودليل على أن الصغير يقول للكبير ، والمتعلم للعالم : عندي ما ليس عندك إذا تحقق ذلك وتيقنه.
٤ ـ الاعتذار الصحيح مقبول عند أهل الحق والإيمان ، فقول الهدهد : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) دفع فيه عن نفسه ما توعده من العذاب والذبح.
٥ ـ كانت بلقيس ملكة سبأ ، وكان هذا عرفا معمولا به عند القدماء ، وعند المعاصرين غير المسلمين. أما في شرعنا فقد روى البخاري من حديث ابن عباس
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٣ / ١٧٨.