(وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) الظاهر كما قال أبو حيان أن هذا الكلام ليس من كلام بلقيس ، وإن كان متصلا بكلامها ، فقيل ـ وهو قول مجاهد ـ : من كلام سليمان ، أي أوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها ، وكنا في كل ذلك موحدين خاضعين لله تعالى ، وقيل : من كلام قوم سليمان وأتباعه (١). قال ابن كثير : ويؤيد قول مجاهد أنها إنما أظهرت الإسلام بعد دخولها إلى الصرح (٢) ، كما سيأتي.
ثم أبان الله تعالى عذر بلقيس في عدم إعلانها الإسلام قبل ذلك فقال : (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ ، إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) أي ومنعها عن عبادة الله وإظهار الإسلام ما كانت تعبد من غير الله وهو عبادة الشمس ، فإنها كانت من قوم وثنيين كانوا يعبدون الشمس ، فتأثرت بالبيئة التي نشأت فيها ، ولم تكن قادرة على تغيير عقيدتها ، حتى جاءت إلى بلاد سليمان الذي أحسن عرض الإسلام عليها ، وأقنعها بصحته ووجوب الاعتقاد بوجود الله ووحدانيته ، فهو رب الكون جميعه ، ورب الكواكب كلها ، شمسها وقمرها ونجومها العديدة.
(قِيلَ لَهَا : ادْخُلِي الصَّرْحَ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً ، وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها ، قالَ : إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ ، قالَتْ : رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ، وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) هذا جار على عادة استقبال الملوك والرؤساء في قصور الضيافة الفخمة ، فقد قال لها وفد الاستقبال السليماني : ادخلي هذا القصر المشيد العالي ، فإنه بني لاستقبال العظماء ، وليريها سليمان ملكا أعز من ملكها ، وسلطانا هو أعظم من سلطانها ، وكان صحنه من الزجاج الأبيض الشفاف ، فلما رأت مدخله الفخم ظنت وجود ماء مجتمع كثير فيه ، فكشفت عن ساقيها ، فقال لها سليمان : إنه قصر مصنوع من الرخام الأمرد ذي السطح الأملس ، ومن
__________________
(١) البحر المحيط : ٧ / ٧٨.
(٢) تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٦٥.