(شَهْوَةً) بيان لإتيانهم الفاحشة ، وتعليله بالشهوة للدلالة على قبحه ، والتنبيه على أن الحكمة في المواقعة طلب النسل ، لا قضاء الوطر. (مِنْ دُونِ النِّساءِ) اللاتي خلقن لذلك. (تَجْهَلُونَ) عاقبة فعلكم ، أو تفعلون فعل من يجهل قبحها ، أو يكون سفيها لا يميز بين الحسن والقبيح.
المناسبة :
هذه هي القصة الرابعة في هذه السور ، لكن تتمتها في بداية الجزء التالي ، قصد بها كما قصد بغيرها من القصص السابقة التحذير من مخالفة أوامر الله ، واقتراف الفواحش أو المعاصي الكبيرة ، لئلا ينزل بالعصاة من العذاب مثل ما نزل بمن قبلهم.
التفسير والبيان :
(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ : أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ)؟ أي واذكر أيها الرسول لقومك قصة لوط حين أنذر قومه نقمة الله بهم في فعلهم الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين فقال منكرا عليهم وموبخا لهم : أتأتون الفاحشة وهي إتيان الذكور دون الإناث ، مع علمكم بقبحها ، واقتراف القبيح من العالم أشنع من غيره ، أو في حال رؤية بعضكم بعضا إذ تأتون في ناديكم المنكر. ثم صرح بما يفعلون بعد الإبهام فقال :
(أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ؟ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) هذا تكرار للتوبيخ ، أي كيف تقبلون إتيان الرجال من غير النساء ، فهذا شذوذ جنسي ، وانتكاس للفطرة ، وترك لما أحل الله لكم من الاستمتاع بالنساء ، والحقيقة أنكم قوم جهلاء سفهاء ، لا تعرفون شيئا لا طبعا ولا شرعا ، وتجهلون عاقبة هذا الأمر الشنيع ، ولا تميزون بين الحسن والقبيح ، فتفضلون العمل الشنيع على المباح لكم من النساء. كما قال تعالى في آية أخرى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ ، وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ ، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) [الشعراء ٢٦ / ١٦٥ ـ ١٦٦].