المناسبة :
لما بيّن الله تعالى جهل المعرضين عن أدلة التوحيد ومناقشتهم وفساد تفكيرهم في ذلك ، ذكر خمسة أدلة دالة بنحو قاطع حسا وعقلا على وجود الصانع الحكيم ، وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة.
التفسير والبيان :
أورد الحق تعالى أدلة خمسة على وجوده وقدرته من الظواهر الكونية التي يدركها ويشاهدها عيانا كل مخلوق وهي خلق الظل ، والليل والنهار ، والرياح والأمطار ، والبحار المالحة والعذبة ، والإنسان من الماء ، وهي ما يلي :
١ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ، وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) ألم تنظر أيها الرسول وكل سامع إلى صنع ربك الذي يدل على كمال قدرته ومنتهى رحمته كيف بسط الظل ، يتفيأ به الناس طوال النهار ، وينعمون فيه بالوقاية من شدة حر الشمس ، من طلوع الشمس إلى غروبها. ولو شاء لجعله ثابتا دائما على حال واحدة لا يتغير طولا وقصرا ، وإنما جعله متفاوتا في ساعات النهار والفصول المختلفة ، وفي ذلك فوائد كثيرة للإنسان والنبات والحيوان ، ومن فوائده : اتخاذه مقياسا للزمن ، حتى إن الفقهاء جعلوه علامة على بعض أوقات الصلاة ، كالظهر عند الزوال ، أي تحول الظل نحو المشرق وميل الشمس نحو المغرب ، والعصر إذا بلغ ظل كل شيء مثله في رأي الجمهور ، وعند أبي حنيفة : إذا بلغ ظل كل شيء مثليه.
وهذا على تفسير (أَلَمْ تَرَ) برؤية العين ، والأولى في رأي الرازي حمله على رؤية القلب ، والمعنى : ألم تعلم ؛ لأن الظل من المبصرات ولكن تأثير قدرة الله في تمديده غير مرئي.