(أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) الرزق الواسع ، والمنزل المريح ، والزوجة الصالحة ، والثناء الجميل بين أهل الأديان جميعا. (لَمِنَ الصَّالِحِينَ) أي في زمرة الكاملين في الصلاح. والصالح لغة : الباقي على ما ينبغي ، يقال : طعام صالح ، أي باق على حال حسنة.
التفسير والبيان :
بعد أن أقام إبراهيم عليهالسلام لقومه الأدلة والبراهين على توحيد الله والرسالة والبعث أو الحشر ، وأمرهم بعبادة الله تعالى ، وندد بعبادة الأوثان ، لم يجدوا جوابا له على كفرهم وعنادهم ومكابرتهم إلا اللجوء إلى استعمال القوة ، كما هو شأن المحجوج المغلوب على أمره المعتمد على جاهه وقوة ملكه ، وهذا ما حكاه تعالى عنهم قائلا :
(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا : اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ ، فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي لم يجد قوم إبراهيم جوابا له على مطالبتهم بعبادة الله واتقاء عذابه إلا أن قال كبراؤهم ورؤساؤهم : اقتلوه ، أو أحرقوه بالنار تحريقا شديدا ، فأضرموا النار وألقوه فيها ، فأنجاه الله وسلمه منها ، وجعلها بردا وسلاما عليه ، لحفظه له وعصمته إياه. إن في ذلك الإنجاء لإبراهيم من النار لدلالات على وجود الله وقدرته لقوم يصدقون بالله إذا ظهرت لهم الأدلة والحجج.
إنه مثل السوء ومدعاة العجب ، يدعوهم إبراهيم عليهالسلام إلى الخير ، ويرشدهم إلى الحق والهدى ، فيلقى في النار للتخلص منه ، ولكن الله أكبر وأقدر من كيد البشر وقوتهم ، فإنه جعل النار المحرقة غير مؤثرة فيه ، وإنما صيّرها بردا وسلاما عليه.
وقد وصف الله في آيات أخرى هذا التقابل بين الفعلين ، فقال : (قالُوا : ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ ، فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً ، فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ)