وجعلها عليه بردا وسلاما ، كما قال تعالى : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [الأنبياء ٢١ / ٦٩].
أما كيفية استبراد النار فهو أمر معجز ، والمعجز خارق للعادة ، والله قادر على كل شيء ، بسلب خاصية الحرارة عن النار.
لهذا وأمثاله جعله الله للناس إماما ؛ فإنه بذل نفسه للرحمن ، وجسده للنيران ، وسخا بولده للقربان ، وجعل ماله للضيفان ، فاجتمع على محبته جميع أهل الأديان.
٣ ـ إن في إنجاء إبراهيم من النار العظيمة ، حتى لم تحرقه بعد ما ألقي فيها ، لآيات للمؤمنين بالله ورسله. وجمع الآيات هنا ؛ لأن الإنجاء من النار ، وجعلها بردا وسلاما ، ولم يحترق بالنار إلا الحبل الذي أوثقوه به ، وغير ذلك ، مجموع آيات. وخص الآيات بالمؤمنين ؛ لأنه لا يصدق بذلك إلا المؤمنون ، وفيه بشارة للمؤمنين بأن الله يبرد عليهم النار يوم القيامة.
أما في قصة نوح فقال : (وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ) للدلالة على اتخاذ السفينة وقت الحاجة وصونها عن المهلكات ، فهي آية واحدة ، وجعلها للعالمين علامة ظاهرة لبقائها أعواما حتى مرّ عليها الناس ، ورأوها ، فعلم بها كل أحد ، وليس المؤمنين فقط.
٤ ـ بالرغم من إلقاء إبراهيم في النار ، عاد إلى لوم الكفار وبيان فساد ما هم عليه وخطئه ، وتمسكهم بالتقليد الأعمى ، فقال : إنكم اتخذتم عبادة الأوثان لإيجاد نوع من التوادد والترابط والتواصل فيما بينكم ، كالتوافق الذي يحدث بين أهل مذهب معين.
غير أن تلك الروابط واهية غير موثقة ، فهي رابطة في الدنيا فقط ، ثم تنقطع وتتلاشى في عالم الآخرة ، فيقع التباغض والتلاعن والتعادي بينكم