رآها من بعيد ، ناداه ربه من جانب الوادي الأيمن ، أي عن يمين موسى من ناحية الغرب ، كما قال تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) [القصص ٢٨ / ٤٤] مما يدل على أنه قصد النار إلى جهة القبلة ، والجبل الغربي عن يمينه.
ناداه ربه في البقعة المباركة من ناحية الشجرة : يا موسى ، إني أنا الله رب العالمين ، إني أنا ربك فاخلع نعليك ، إنك بالوادي المقدس طوى ، أي الذي يخاطبك ويكلمك هو رب العالمين ، الفعال لما يشاء ، لا إله غيره ، ولا رب سواه ، تنزه عن مماثلة المخلوقات في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله.
ووصف البقعة بكونها مباركة ، لأنه حصل فيها ابتداء الرسالة ، وتكليم الله تعالى إياه. ومن الأولى : (مِنْ شاطِئِ) والثانية : (مِنَ الشَّجَرَةِ) لابتداء الغاية ، أي أتاه النداء من شاطئ الوادي من قبل الشجرة.
وقد خلق الله تعالى في موسى أثناء ذلك علما يقينيا بأن ذلك الكلام هو كلام الله ، وسمع الكلام القديم من الله تعالى ، لا من الشجرة ، على رأي أبي الحسن الأشعري ، وسمع الصوت والحرف المخلوق في الشجرة والمسموع منها ، على رأي أبي منصور الماتريدي.
ثم أيده بمعجزتين هما :
أولا ـ (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ ، فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ ، وَلَّى مُدْبِراً ، وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي ونودي بأن ألق عصاك التي في يدك ، فألقاها فصارت حية تسعى ، فعرف وتحقق أن الذي يكلمه ويخاطبه هو الذي يقول للشيء : (كُنْ فَيَكُونُ) فلما رآها تتحرك وتضطرب كأنها جان من الحيات أو ثعبان ، لسرعة حركتها ، أو شبهها بالجانّ من حيث الاهتزاز والحركة ، لا من حيث المقدار ، ولّى هاربا ولم يرجع ولم يلتفت إلى ما وراءه ؛ لأن طبع البشر ينفر من ذلك.