٢ ـ كان جديرا بهم أن يشكروا نعم الله وما رزقهم بالطاعة ، فضلا عن أن الرسل قالت لهم ذلك ، فهذه أي مأرب بلدة طيبة ، أي كثيرة الثمار ، معتدلة المناخ ، لطيفة الهواء ، بعيدة عن المؤذيات ، والمنعم بهذه النعم عليهم ربّ غفور يستر ذنوبهم ، فجمع الله تعالى لهم بين مغفرة ذنوبهم وطيب بلدهم ، ولم يجمع ذلك لجميع خلقه.
٣ ـ لقد خيبوا ما يظن بهم ، فأعرضوا عن أمر ربهم واتباع رسله بعد أن كانوا مسلمين ، فأرسل عليهم سيل العرم ، أي نقض سدّ مأرب ، فتدفقت المياه المدرارة الغزيرة ، فغرّقت بساتينهم ، ودفنت بيوتهم ، فيبست الأشجار المثمرة ، ونبت مكانها أشجار مرّة لا خير فيها من الخمط أي الأراك ، والأثل : وهو كما قال الفراء : شجر شبيه بالطرفاء إلا أنه أعظم منه طولا ، والسّدر وهو نوعان : نوع له ثمر عفص لا يؤكل ، وهو الذي يسمى الضّال ، ونوع ينبت على الماء وثمره النّبق ، وورقه يشبه شجر العنّاب.
قال قتادة : بينما شجر القوم من خير شجر إذ صيّره الله تعالى من شرّ الشجر بأعمالهم ، فأهلك أشجارهم المثمرة ، وأثبت بدلها الأراك والطّرفاء والسّدر.
٤ ـ هذا التبديل من النعمة إلى النقمة جزاء كفرهم ، ولا يعاقب بهذا إلا المبالغ في كفران النعمة والكفر بالله تعالى.
وتساءل الزمخشري والقرطبي : لم خص الله تعالى المجازاة بالكفور ، ولم يذكر أصحاب المعاصي؟ والجواب أن المراد : هو الجزاء الخاص وهو العقاب بالاستئصال والإهلاك ، وليس المراد : الجزاء العام الذي يشمل الكافر والمؤمن. هذا في الدنيا ، وأما في الآخرة فقالت عائشة رضياللهعنها : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من حوسب هلك (١) ، فقلت : يا نبي الله ، فأين قوله جلّ وعزّ : (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) قال : إنما ذلك العرض ، ومن نوقش الحساب
__________________
(١) ورواه الترمذي عن أنس : «من حوسب عذب».