معاجم المصطلحات
يقول ابن فارس من كتابه «الصاحبي في فقه اللغة» ما نصّه :
«كانت العرب في جاهليتها على إرث من إرث آبائهم في لغاتهم وآدابهم ونسّاكهم وقرابينهم ، فلما جاء الله جلّ ثناؤه بالإسلام حالت أحوال ، ونسخت ديانات ، وأبطلت أمور ، ونقلت من اللغة ألفاظ عن مواضع إلى مواضع أخر بزيادات زيدت ، وشرائع شرعت ، وشرائط شرطت ، فعفى الآخر الأول ، وشغل القوم ـ بعد المغاورات والتجارات وتطلب الأرباح والكدح للمعاش في رحلة الشتاء والصيف وبعد الإغرام بالصيد والمعاقرة والمياسرة ـ بتلاوة الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وبالتفقه في دين الله عزّ وجلّ وحفظ سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع اجتهادهم في مجاهدة أعداء الإسلام ، فصار الذي نشأ عليه آباؤهم ونشأوا هم عليه كأن لم يكن ، وحتى تكلموا في دقائق الفقه ، وغوامض أبواب المواريث وغيرها من علم الشريعة وتأويل الوحي بما دون وحفظ حتى الآن ، فصاروا بعد ما ذكرناه إلى أن يسأل إمام من الأئمة وهو يخطب على منبره عن فريضة فيفتي ويحسب بثلاث كلمات ، وذلك قول أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه حين سئل عن ابنتين وأبوين وامرأة : «صار ثمنها تسعا» فسميت «المنبرية» وإلى أن يتكلم هو وغيره في دقائق العلوم بالمشهور من مسائلهم في الفرض وحده كالمشتركة ، ومسألة الامتحان ، ومسألة ابن مسعود ، والأكدرية ، ومختصرة زيد ، والخرقاء وغيرها مما هو أغمض وأدق.
فسبحان من نقل أولئك في الزمن القريب بتوفيقه عما ألفوه ونشأوا عليه وغذوا به إلى مثل هذا الذي ذكرناه ، وكل ذلك دليل على حق الإيمان وصحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فكان مما جاء في الإسلام ذكر المؤمن والمسلم والكافر والمنافق وإن العرب إنما عرفت المؤمن من الأمان والإيمان وهو التصديق ، ثم زادت الشريعة شرائط وأوصافا بها سمي المؤمن بالإطلاق مؤمنا ، وكذلك الإسلام والمسلم إنما عرفت منه إسلام الشيء ثم جاء في الشرع من أوصافه ما جاء.
وكذلك كانت لا تعرف من الكفر إلا الغطاء والستر ، فأما المنافق فاسم جاء به الإسلام لقوم أبطنوا غير ما أظهروه ، وكان الأصل من نافقاء اليربوع ، ولم يعرفوا في الفسق إلا قولهم : فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها ، وجاء الشرع بأن الفسق الإفحاش في الخروج عن طاعة الله جلّ ثناؤه.
ومما جاء به الشرع الصلاة ، وأصلها في لغتهم الدعاء ، وقد كانوا عرفوا الركوع والسجود وإن لم يكن على هذه الهيأة ... وكذلك الصيام أصله عندهم الإمساك ثم زادت الشريعة النية وحظرت الأكل والمباشرة وغير ذلك من شرائع الصوم ، وكذلك الحج لم يكن عندهم فيه غير القصد وسبر الجراح ، ثم زادت الشريعة ما زادته من شرائط الحج وشعائره ، وكذلك الزكاة لم تكن العرب تعرفها إلا من ناحية النماء ، وزاد الشرع ما زاده فيها مما لا وجه لإطالة الباب بذكره ، وعلى هذا سائر ما تركنا ذكره من العمرة والجهاد وسائر أبواب الفقه.
فالوجه في هذا إذا سئل الإنسان عنه أن يقول : في الصلاة اسمان : لغوي وشرعي ، ويذكر ما كانت العرب