فيما جهلوه منه بسعة معرفة ورحابة صدر.
ومما انتهى إلينا من أخباره في ذلك ما أجاب به في المسائل التي تحداه بها الزعيم الخارجي نافع بن الأزرق ، والتي أورد السيوطي حكايتها في الإتقان (ج ١ ، ص ١٢٠) وما بعدها فقال :
«بينما عبد الله بن عباس جالس بفناء الكعبة ، قد اكتنفه الناس يسألونه عن تفسير القرآن ، قال نافع بن الأزرق لنجدة بن عويمر : قم بنا إلى هذا الذي يجترئ على تفسير القرآن بما لا علم له به ، فقاما إليه فقالا : إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا وتأتينا بمصداقها من كلام العرب ، فإن الله إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين ، فقال ابن عباس : سلاني عما بدا لكما ...».
وكان من جملة ما سأله فيه نافع أن قال :
«أخبرني عن قوله تعالى : (... جَدُّ رَبِّنا ...) قال : عظمة ربنا ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت :
لك الحمد والنعماء والملك ربنا |
|
فلا شيء أعلى منك جدا وأمجد» |
«قال : أخبرني عن قوله تعالى : (... وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا ...) قال : رحمة من عندنا ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت طرفة بن العبد يقول :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا |
|
حنانيك بعض الشر أهون من بعض» |
«قال : أخبرني عن قوله تعالى : (... وَرِيشاً ...) قال : الريش المال ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر يقول :
فرشني بخير طالما قد بريتني |
|
وخير الموالي من يريش ولا يبري» |
«قال : أخبرني عن قوله تعالى : (... زَنِيمٍ ...) قال : ولد الزنى ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : أما سمعت قول الشاعر :
زنيم تداعاه الرجال زيادة |
|
كما زيد في عرض الأديم الأكارع» |
«قال : أخبرني عن قوله تعالى : (... فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً ...) قال : القاع الأملس ، والصفصف المستوي ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : أما سمعت الشاعر يقول :
بمطمومة شهباء لو قذفوا بها |
|
شماريخ من رضوى إذن عاد صفصفا» |
«قال نافع : أخبرني عن قوله تعالى : (... عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ ...) قال : العزون حلق الرفاق ، قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت عبيد بن الأبرص وهو يقول :
فجاءوا يهرعون إليه حتى |
|
يكونوا حول منبره عزينا» |
«قال : أخبرني عن قوله تعالى : (... فَتِيلاً ...) قال : التي تكون في شق النواة ، أما سمعت قول النابغة :
يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو |
|
ثم لا يرزأ العدو فتيلا» |
«قال : أخبرني عن قوله تعالى : (... مِنْ طِينٍ لازِبٍ ...) قال : الملتزق ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول النابغة :
ولا يحسبون الخير لا شر بعده |
|
ولا يحسبون الشر ضربة لازب» |
«قال : أخبرني عن قوله تعالى : (... فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ...) قال : النهر السعة ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول لبيد بن ربيعة :
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها |
|
يرى قائم من دونها ما وراءها» |
«قال : أخبرني عن قوله تعالى : (... وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ...) قال : الوسيلة الحاجة ، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت قول عنترة :
إن الرجال لهم إليك وسيلة |
|
إن يأخذوك تكحلي وتخضبي» |
ثم تمادى يسأله حتى انتهى عند نيف وثمانين مسألة كان ابن عباس يجيبه فيها مفسرا ومستشهدا على ما يقوله فيها بالأشعار.
لقد عنى ابن عباس رضي الله عنه بهذا الشأن حتى