التحدي والتنبيه على الإعجاز. وقيل : إن هذه الفواتح وأمثالها لها معان أخرى (١).
(وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) يقسم الله تعالى بالقرآن ، والإقسام بالقرآن : فيه تنبيه على شرف قدره وعلوّ محله. ومعنى (ذِي الذِّكْرِ) : البيان ، أو الشرف والشهرة ، كما في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف ٤٣ / ٤٤]. وجواب القسم في رأي جماعة محذوف تقديره : إنه لكلام معجز ، أو ما الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الآلهة.
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) أي لا ريب فيه قطعا ، بل المشركون من أهل مكة وأمثالهم في تكبر وتجبر عن الإيمان ، واعتزاز بالباطل ، والعزة أيضا : الغلبة والقهر و (شِقاقٍ) أي خلاف وعداوة لله ولرسوله (كَمْ) كثير (أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) أي قد أهلكنا قبلهم كثيرا من الأمم الماضية الذين كانوا أشد قوة وأكثر أموالا (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) أي نادوا حين نزول العذاب بهم أي استغاثوا ، وليس ذلك الوقت وقت خلاص وفرار ومنجى. وهذا وعيد على كفرهم بالقرآن استكبارا وشقاقا.
(وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) تعجبوا من مجيء رسول من أنفسهم ينذرهم ويخوفهم بالعذاب بالنار إن استمروا على الكفر ، وهو النبي صلي الله عليه وآله وسلم (وَقالَ الْكافِرُونَ : هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) قالوا ذلك لما شاهدوا المعجزات الخارجة عن قدرة البشر (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) أصيّرها إلها واحدا؟ حين قال لهم : قولوا : لا إله إلا الله ، أي كيف يكون للخلق كلهم إله واحد؟ (عُجابٌ) عجيب ، بالغ في العجب إلى الغاية ، وإنما تعجبوا ، لأنه كان لكل قبيلة إله.
(الْمَلَأُ) الأشراف ، انطلقوا من مجلس اجتماعهم عند أبي طالب بعد سماعهم قول النبي صلي الله عليه وآله وسلم كلمة يقولونها تدين لهم بها العرب والعجم ، قالوا : فما هي؟ قال : لا إله إلا الله (أَنِ امْشُوا) يقول بعضهم لبعض : امضوا على ما كنتم عليه ولا تدخلوا في دينه (وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) اثبتوا على عبادتها (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) أي إن هذا الذي يريده محمد صلي الله عليه وآله وسلم بنا وبآلهتنا ، من دعوته إلى التوحيد لشيء من ريب الزمان يراد بنا ، ليعلو علينا ، ونكون له أتباعا.
(الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) هي ملة النصرانية (اخْتِلاقٌ) كذب اختلقه محمد صلي الله عليه وآله وسلم وافتراه (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا؟) أأنزل عليه القرآن ، ونحن الرؤساء والأشراف ، أكبر منه سنا ، وأعظم منه شرفا (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) أي من القرآن أو الوحي (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) أي بل لم يذوقوا عذابي بعد ، فإذا ذاقوه زال شكهم. والمعنى : إنهم لا يصدّقون به حتى يمسهم العذاب ، فيلجئهم إلى تصديقه.
__________________
(١) انظر تفسير الرازي : ٢٦ / ١٧٤