لا يفهمون ما فيه ، ولهذا تواصوا باللغو فيه ، وهو عليهم معمّى ، لا يهتدون إلى ما فيه من البيان ، ولا يبصرون ما اشتمل عليه من براهين ومواعظ. وهذا كقوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ، فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [البقرة ٢ / ١٧١].
ثم أكد الله تعالى عدم استعدادهم لفهم القرآن ، فقال :
(أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي إن حالهم كحال من ينادى من مسافة بعيدة ، يسمع صوت من يناديه منها ، ولا يفهم أو لا يفقه ما يقال له ، لأنهم أعرضوا ولم يريدوا سماع القرآن.
ثم أوضح تعالى أن التكذيب بكتاب الله عادة قديمة في الأمم ، فقال :
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) أي لا تستغرب يا محمد ، فتلك عادة الأمم مع أنبيائهم ، فإنهم يختلفون في الكتب المنزلة عليهم ، والمثال على ذلك : أننا أرسلنا موسى وآتيناه التوراة ، فاختلفوا فيها بين مصدّق ومكذب ، وكذّب موسى وأوذي ، فلا تأس على فعل قومك ، واصبر على الأذى ، واستعن بالله ولا تعجز ، كما قال تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف ٤٦ / ٣٥].
ثم بيّن الله تعالى سبب تأخير العذاب عنهم فقال :
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي ولو لا ما سبق من حكم الله بتأخير العذاب والحساب عن المكذبين من أمتك إلى يوم المعاد ، لعجل لهم العذاب ، كما فعل بالأمم المكذبة ، وكما قال تعالى : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) [الكهف ١٨ / ٥٨] وقال سبحانه : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ، ما تَرَكَ عَلى