«ما» تعمّ ما كانوا يعبدون وهو الله والأوثان ، كأنه قال : إنني براء مما تعبدون إلا من الذي فطرني. (سَيَهْدِينِ) يرشدني إليه ، وهو مقرر لما قال مرة أخرى : (يَهْدِيَنِ) كأنه قال : فهو يهدين وسيهدين ، فيدلان على استمرار الهداية في الحال والاستقبال.
(وَجَعَلَها) أي وجعل إبراهيم عليهالسلام كلمة التوحيد وهي قوله : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) في ذريته ، فلا يزال فيهم من يوحّد الله ويدعو إلى توحيده. (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يرجع من أشرك منهم بدعاء من وحّد ، فيرجع عما كان عليه إلى دين إبراهيم أبي الأنبياء والمسلمين ، وهو يشمل أهل مكة وغيرهم.
(بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) أي هؤلاء المعاصرين للرسول من قريش وآباءهم ، فاغتروا بذلك وانهمكوا في الشهوات ، ولم أعاجلهم بالعقوبة. وقرئ «متعت» بالفتح على أنه تعالى اعترض به على ذاته : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً) مبالغة في تعبيرهم (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُ) القرآن ودعوة التوحيد. (وَرَسُولٌ مُبِينٌ) ظاهر الرسالة بماله من المعجزات ، أو مبين للتوحيد بالحجج والآيات المتضمنة الأحكام الشرعية ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم.
(وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) القرآن. (لَوْ لا) هلا. (مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ) من إحدى القريتين : مكة والطائف. والرجلان هما : الوليد بن المغيرة من مكة ، وكان يسمى ريحانة قريش ، وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف. (عَظِيمٍ) زعيم ذي جاه ومال ، فإن الرّسالة منصب خطير لا يليق إلا بعظيم ، ولم يعلموا أن معيار اختيار الأنبياء هو التّحلي بالفضائل والكمالات الأدبية ، لا بالاعتبارات الدنيوية.
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكّمهم ، والرّحمة : النّبوة. (قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) جعلنا معيشتهم مقسومة فيما بينهم ، فبعضهم غني ، وبعضهم فقير ، ويتفاوتون في مرتبتي الغنى والفقر. (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) جعلنا بينهم تفاوتا في الرّزق وغيره. (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ) وهو الغني. (بَعْضاً) وهو الفقير. (سُخْرِيًّا) مسخرا في العمل بالأجرة ، أي يستعمل بعضهم بعضا في حوائجهم ، والياء : للنسب ، وقرئ بكسر السين «سخريا». (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ) أي النّبوة وما يتبعها ، أو الجنّة. (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من حطام الدنيا.
(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أي خشية أن يكون جميع الناس على ملّة واحدة وهي الكفر. (سُقُفاً) جمع سقف ، وقرئ : «سقفا». (وَمَعارِجَ) ومصاعد جمع معرج كمنبر ، وقرئ : «معاريج» جمع معراج. (عَلَيْها يَظْهَرُونَ) يصعدون ويعلون إلى السطوح. (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً) من فضة. (وَسُرُراً) من فضة ، جمع سرير. (يَتَّكِؤُنَ) يستندون. (وَزُخْرُفاً) ذهبا أو زينة مزوقة ، والمراد به الزينة كما قال تعالى : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ