وهو نائم ، فاستيقظ صلىاللهعليهوسلم ، وهو في يديه مصلتا ، فانتهره ، فوقع من يده ، وأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم السيف في يده ، ودعا أصحابه ، ثم أعلمهم بما كان من أمره وأمر هذا الرجل ، وعفا عنه. وكذلك عفا صلىاللهعليهوسلم عن المرأة اليهودية ـ وهي زينب أخت مرحب اليهودي الخيبري الذي قتله محمد بن مسلمة ، التي سمّت الذراع يوم خيبر ـ فأخبره الذراع بذلك ، فدعاها فاعترفت ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «ما حملك على هذا»؟ قالت : أردت إن كنت نبيا لم يضرك ، وإن لم تكن نبيا استرحنا منك ، فأطلقها صلىاللهعليهوسلم ، ولكن لما مات منه ـ من السم ـ بشر بن البراء رضياللهعنه ، قتلها به.
وروي أن زينب أقبلت على عائشة ، فشتمتها ، فنهاها النبي صلىاللهعليهوسلم عنها ، فلم تنته ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «دونك فانتصري» (١) وهذه تطبيق لقوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء ٤ / ١٤٨]. أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «المستبّان ما قالا من شيء ، فعلى البادي حتى يعتدي المظلوم» ثم قرأ : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها).
ثم إن الله تعالى لم يرغب دائما في الانتصار ، بل بيّن أنه مشروع فقط ، ثم بيّن بعده أن مشروعيته مشروطة برعاية المماثلة ، ثم أبان أن العفو أولى بقوله : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ).
وشرط الله تعالى المماثلة بين الجناية والعقوبة في قوله تعالى :
(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) أي إن عقاب السيئة عقاب مماثل للجرم ، وإن العدل في الانتصار هو الاقتصار على المساواة ، فإذا قال المسيء : أخزاك
__________________
(١) أخرجه مسلم ، وأخرجه بلفظ آخر النسائي وابن ماجه وابن مردويه عن عائشة ، وجاء فيه : «فقال لي : سبّيها ، فسببتها حتى جفّ ريقها في فمها».