قال ابن عباس : وذلك أن المشركين بغوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى أصحابه ، وآذوهم وأخرجوهم من مكة ، فأذن الله لهم بالخروج ومكّن لهم في الأرض ، ونصرهم على من بغى عليهم ، وذلك قوله في سورة الحج : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ، وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ..) الآيات [٣٩ ـ ٤١].
وليست الآية مقصورة على الماضي ، وإنما هي عامة في بغي كل باغ من كافر وغيره ، أي إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه. وهذا إشارة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإقامة الحدود (١) ، وإشارة إلى أن من صفات المؤمنين العزة والكرامة وإباء الذل والشمم ، والاعتزاز بقوة الله والثقة بنصره.
٤ ـ أما إذا كان الظلم بين المسلمين فقط أو بين المسلمين وغيرهم ، فإذا كان الباغي معلنا الفجور ، وقحا يؤذي الصغير والكبير ، فيكون الانتقام منه أفضل ، قال إبراهيم النّخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم ، فتجترئ عليهم الفسّاق. أي أنّه في حال وقوع الأذى أو الضرر العام يكون الانتقام.
وإذا وقعت الجناية خطأ أو فلتة أو تعمدها صاحبها ثم طلب المغفرة ، فالعفو هاهنا أفضل ، وفي مثله نزلت : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة ٢ / ٢٣٧] وقوله : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) [المائدة ٥ / ٤٥] وقوله : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ، أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) [النور ٢٤ / ٢٢].
٥ ـ إن آية : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) أصل كبير في علم الفقه وهو مقابلة الجناية بمثلها ، سواء في العقوبات البدنية أو المالية. وتأول الشافعي في هذه الآية : أن للإنسان أن يأخذ من مال من خانه مثل ما خانه من غير علمه ،
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٦ / ٣٨ ـ ٣٩.