وجاء إطلاق المجرمين على (المشركين) في قوله تعالى : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) [الرحمن ٥٥ / ٤١].
وأكثر المفسرين اتفقوا على أن هذه الآية نازلة في القدرية ، روى الواحدي في تفسيره بإسناده عن أبي هريرة قال : جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلىاللهعليهوسلم في القدر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله : (خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (١).
وعن عائشة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «مجوس هذه الأمة : القدرية» (٢) وهم المجرمون الذين سماهم الله في قوله : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ) عن الحق في الدنيا (وَسُعُرٍ) وهو نيران في الآخرة.
وبيّن الإمام الرازي رحمهالله معنى القدرية الذين قال النبي صلىاللهعليهوسلم نزلت الآية فيهم ، فذكر أن كل فريق في خلق الأعمال يذهب إلى أن القدري خصمه ، فالجبري يقول : القدري من يقول : الطاعة والمعصية ليستا بخلق الله وقضائه وقدره ، فهم قدرية ، لأنهم ينكرون القدر. والمعتزلي يقول : القدري : هو الجبري الذي يقول حين يزني ويسرق : الله قدرني ، فهو قدري لإثباته القدر ، وهما جميعا يقولان لأهل السنة الذين يعترفون بخلق الله ، وليس من العبد : إنه قدري.
والحق أن القدري الذي نزلت فيه الآية : هو الذي ينكر القدر ، وينكر قدرة الله تعالى ، ويقول بأن الحوادث كلها حادثة بالكواكب واتصالاتها ، ويدل عليه قوله : جاء مشركو قريش يحاجون رسول الله صلىاللهعليهوسلم في القدر ، فإن مذهبهم ذلك. وأما المراد من قوله صلىاللهعليهوسلم : «مجوس هذه الأمة هم القدرية» فهم القدرية
__________________
(١) رواه مسلم والترمذي وابن ماجه.
(٢) رواه ابن ماجه عن جابر بلفظ «إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله تعالى ..» وهو ضعيف.