من متعظ بما أخزى الله أولئك ، وقدر لهم من العذاب ، وهل من يتذكر ويتعظ بالمواعظ ، ويعلم أن ذلك حق ، فيخاف العقوبة التي حلت بالأمم السابقة؟
وهذا كما قال تعالى : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) [سبأ ٣٤ / ٥٤].
وأتبع ذلك الإخبار عن إحصاء جميع أعمالهم ورقابة الله عليهم ، فقال :
(وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ، وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) أي إن جميع ما فعلته وتفعله الأمم والشعوب والأفراد من خير أو شر مكتوب في اللوح المحفوظ ، وفي كتب (أو سجلات) الملائكة الحفظة ، وما من شيء من أعمال الخلق وأقوالهم وأفعالهم إلا وهو مسطور في اللوح المحفوظ ، وفي دواوين الملائكة وصحائفهم ، صغيرة وكبيرة ، وجليلة وحقيرة ، كما قال تعالى : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق ٥٠ / ١٨].
أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه عن عائشة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يقول : «يا عائشة ، إياك ومحقّرات الذنوب ، فإن لها من الله طالبا».
ثم ذكر الله تعالى نوع جزاء المؤمنين المتقين لمقارنته بجزاء الكافرين ، ومقابلة الثواب بالعقاب وبالعكس ، فقال :
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) أي إن المتقين ، بعكس ما يكون الأشقياء فيه من النار والسحب على الوجوه فيها ، مع التوبيخ والتقريع والتهديد ، هم في بساتين غنّاء مختلفة ، وجنان متنوعة ، وأنهار متدفقة بمختلف أنواع الأشربة من ماء وعسل ولبن وخمر غير مسكرة ، وفي الجنة دار كرامة الله ورضوانه وفضله وامتنانه ، وفي مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم ، وفي منزلة وكرامة عند ربهم القادر على ما يشاء ، والذي لا يعجزه شيء ، فهو