والبعث والجزاء ، وتيسير الرزق وضمانه ، حق لا مرية فيه ، كائن لا محالة ، فلا تشكّوا فيه ، كما لا تشكّوا في نطقكم حين تنطقون ، فهو كمثل نطقكم ، فكما أنكم لا تشكون في نطقكم فكذلك هذا ، كما تقول : إنه لحق ، كما أنك تتكلم وترى وتسمع. وكان معاذ رضياللهعنه إذا حدث بالشيء يقول لصاحبه : إن هذا لحق كما أنك هاهنا.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن أبي عدي عن الحسن البصري أنه قال : بلغني أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «قاتل الله أقواما أقسم لهم ربهم ، ثم لم يصدقوا».
قال الأصمعي : أقبلت خارجا من البصرة ، فطلع أعرابي على قعود ، فقال : من الرجل؟ قلت : من بني أصمع ، قال : من أين أقبلت؟ قلت : من موضع يتلى فيه كلام الرحمن ، فقال : اتل عليّ ، فتلوت (وَالذَّارِياتِ) فلما بلغت قوله : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) فقال : حسبك ، فقام إلى ناقته فنحرها ، ووزعها على الناس ، وعمد إلى سيفه وقوسه ، فكسرهما وولّى. فلما حججت مع الرشيد ، طفقت أطوف ، فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق ، فالتفت ، فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر ، فسلّم علي ، واستقرأ السورة ، فلما بلغت الآية صاح ، وقال : وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، ثم قال : فهل غير هذا؟ فقرأت: (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) فصاح ، فقال : يا سبحان الله ، من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف؟! لم يصدقوه بقوله ، حتى ألجؤوه إلى اليمين؟! قالها ثلاثا ، وخرجت معها نفسه (١).
وفي هذا المعنى قصة الأشعريين حين أرسلوا رسولهم إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فسمع
__________________
(١) أسنده الثعلبي ، راجع غرائب القرآن : ٢٧ / ١٠ ـ ١١ ، تفسير القرطبي : ١٧ / ٤٢