ومسّه للمسلم والكافر طاهرا أو محدثا ، إلا أن داود قال : لا يجوز للمشرك حمله ، واحتجوا في إباحة ذلك بكتاب النبي صلىاللهعليهوسلم إلى قيصر ، ورد عليهم بأنه موضع ضرورة ، فلا حجة فيه. فيكون المنع من مس المصحف للمحدث ثابتا بالسنة ، وليس مأخوذا من صريح الآية.
٣ ـ بعد إثبات النبوة وصدق الوحي والقرآن الكريم وبّخ الله تعالى المتهاونين بالقرآن المكذبين به ، وهذا قلب للأوضاع ، فإن الجاحدين جعلوا شكر الرزق من الله والإنعام هو التكذيب ، فوضعوا الكذب مكان الشكر ، كقوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) [الأنفال ٨ / ٣٥] أي لم يكونوا يصلّون ، ولكنهم كانوا يصفّرون ويصفّقون مكان الصلاة.
قال القرطبي : وفي هذا بيان أن ما أصاب العباد من خير ، فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكون أسبابا ، بل ينبغي أن يروه من قبل الله تعالى ، ثم يقابلونه بشكر إن كان نعمة ، أو صبر إن كان مكروها ، تعبّدا له وتذللا (١).
٤ ـ تحدى الله منكري البعث بأنهم إن كانوا صادقين في زعمهم ألا بعث ، وأنهم غير مجزيين ولا محاسبين ولا مبعوثين يوم المعاد ، فليمنعوا الموت عن الإنسان حين الاحتضار ، وليردوا الروح إليه إذا بلغت الحلقوم ، وإذا انتفى الموت انتفى البعث ، والحق أنهم عاجزون عن ذلك ، لا يقدرون على شيء من هذا ، وهم ينظرون إلى المحتضر محزونين آيسين ، والله سبحانه أقرب إلى المحتضر بالقدرة والعلم والرؤية ، ولكن الحاضرين حوله لا يدركون ذلك ، ولا يرون الملائكة الرسل الذين يتولون قبض الروح.
٥ ـ الناس عند الاحتضار ثم الوفاة أصناف ثلاثة : المقربون السابقون ،
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٧ / ٢٢٨