٣ ـ دل قوله تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) على أن الجمعة لا تجب إلا بالنداء ، والنداء لا يكون إلا بدخول الوقت ، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الجماعة عن مالك بن الحويرث : «إذا حضرت الصلاة ، فأذّنا ، ثم أقيما وليؤمّكما أكبركما». وروى البخاري عن أنس بن مالك أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس.
وروي عن أبي الصّديق وأحمد بن حنبل أنها تصلّى قبل الزوال ، وتمسك أحمد في ذلك بحديث سلمة بن الأكوع : «كنا نصلّي مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم ننصرف ، وليس للحيطان ظل» بحديث ابن عمر وسهل : «ما كنا نقيل ولا نتغدّى إلا بعد الجمعة».
ومذهب الجمهور من الخلف والسلف ما رواه البخاري فيما تقدم ، وما رواه وكيع عن يعلى بن إياس عن أبيه قال : «كنا نجمّع مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا زالت الشمس ، ثم نرجع نتتبع الفيء». وقياسا على صلاة الظهر.
وحديث ابن عمر وسهل دليل على أنهم كانوا يبكّرون إلى الجمعة تبكيرا كثيرا عند الغداة أو قبلها ، فلا يتناولون الغداء إلا بعد انقضاء الصلاة ، وقد جاء في البخاري ومسلم ما يفيد استحباب التبكير إلى الجمعة ، وذلك ما روياه عن أبي هريرة رضياللهعنه قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجمعة ، ثم راح في الساعة الأولى ، فكأنما قرّب بدنة (١) ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة ، فكأنما قرّب كبشا أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة ، فكأنما قرّب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرّب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر».
والتبكير محمول عند أغلب العلماء على ساعات النهار الزمانية ، لحديث ابن عمر المتقدم : «ما كانوا يقيلون ولا يتغدون إلا بعد الجمعة لكثرة البكور إليها».
__________________
(١) البدنة : الناقة.