الإيمان ، وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان ، فكل من الفريقين تظهر له الخسارة الفادحة ، فكأن أهل النار استبدلوا بالخير الشر ، وبالجيد الرديء وبالنعيم العذاب ، وأهل الجنة على العكس مما ذكر ، ومع ذلك يشعرون بالنقص والخسارة ، إذا لم يقدموا عملا صالحا أكثر مما قدموا ، فالمغبون : من غبن أهله ومنازله في الجنة ، جاء في الحديث الصحيح المتقدم الذي رواه أحمد : «ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزدادا شكرا ، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة ليزداد حسرة». وأصل التغابن : مأخوذ من الغبن : وهو أخذ الشيء من صاحبه بأقل من قيمته ، في عقود المعاوضات ، وبما أنه لا معاوضة في الآخرة ، فيكون إطلاق التغابن على العمل المقدم في الدنيا وجزائه في الآخرة ، من قبيل الاستعارة ، للدلالة على النقص على البائع.
والخلاصة : أن يوم القيامة يوم التغابن الجائز ، فيه يغبن بعض أهل المحشر بعضا ، فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل ، وأهل الجنة يغبنون أهل النار.
ثم فصل الله تعالى التغابن وبيّنه ، فقال :
١ ـ (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ ، وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً ، ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي ومن يصدق بالله تصديقا صحيحا ويصدق بما جاءت به الرسل من الحشر والنشر والجنة والنار وغير ذلك ، ويعمل العمل الصالح بأداء الفرائض والطاعات ، واجتناب المنهيات ، يمح الله سيئاته وذنوبه ، ويدخله الجنات التي تجري من تحت قصورها وأشجارها الأنهار ، ماكثين فيها على الدوام ، وذلك التكفير للسيئات وإدخال الجنات هو الظفر الذي لا يساويه ظفر ، ولا ظفر قبله ولا بعده ، لإحراز أفضل الثمرات والنتائج. وإنما قال : (خالِدِينَ فِيها) بلفظ الجمع بعد قوله: (وَمَنْ يُؤْمِنْ) بلفظ الواحد ، لأن ذلك بحسب اللفظ ، وهذا بحسب المعنى.