وهذا الأدب له تأثيره الكبير في غرس المحبة والتقدير في القلوب. وهو يومئ إلى أن الصحابة كانوا يتنافسون في القرب من مجلس الرسول صلىاللهعليهوسلم لسماع حديثه ، والانتفاع بهديه وأدبه وفضله.
وفي الحديث المروي في السنن : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يجلس حيث انتهى به المجلس ، ولكن حيث يجلس ، يكون صدر ذلك المجلس ، فكان الصحابة رضياللهعنهم يجلسون منه على مراتبهم ، فالصديق رضياللهعنه يجلسه عن يمينه ، وعمر عن يساره ، وبين يديه غالبا عثمان علي ، لأنهما كانا ممن يكتب الوحي وكان يأمرهما بذلك ، روى مسلم وأحمد وأهل السنن إلا الترمذي عن أبي مسعود أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقول : «ليلني منكم أولو الأحلام والنّهى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم» وما ذاك إلا ليعقلوا عنه ما يقوله صلوات الله وسلامه عليه.
ولهذا أمر أولئك النفر بالقيام ليجلس الذين وردوا من أهل بدر ، إما لتقصير أولئك في حق البدريين ، أو ليأخذ البدريون نصيبهم من العلم ، كما أخذ أولئك قبلهم ، أو تعليما بتقديم الأفاضل إلى الأمام.
وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال :
فمنهم من رخص في ذلك ، محتجا بحديث أبي داود عن أبي سعيد الخدري : «قوموا إلى سيدكم» وهو سعد بن معاذ حينما استقدمه النبي صلىاللهعليهوسلم حاكما في بني قريظة.
ومنهم من منع ذلك محتجا بحديث أحمد وأبي داود والترمذي عن معاوية بن أبي سفيان : «من أحب أن يتمثّل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار».
ومنهم من فصّل ، فقال : يجوز عند القدوم من سفر ، وللحاكم في محل ولايته ، كما دلت عليه قصة سعد المتقدمة ، ليكون أنفذ لحكمه ، فأما اتخاذه ديدنا فإنه من شعار العجم ، وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من