ثم أبان الله تعالى علة الأمر بقيام الليل (التهجد) فقال :
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) أي إن قيام الليل ، وهو الذي يقال له : ناشئة إذا كان بعد نوم ، أشد موافقة ومصادفة للخشوع والإخلاص وتوافق القلب واللسان ، فذلك يتجلى في هدوء الليل أكثر من أي وقت آخر ، وهو أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها ، وأسدّ مقالا وأثبت قراءة ، لحضور القلب فيها وأكثر اعتدالا واستقامة على نهج الحق والصواب ؛ لأن الأصوات فيها هادئة ، والدنيا ساكنة ، أما النهار فهو وقت الانشغال بالأعمال ، كما قال تعالى : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) أي إن لك في وقت النهار تقلبا وتصرفا في حوائجك ومصالح الحياة ، فلا تتفرغ فيه للعبادة ، فصل بالليل.
ولكن لا ينبغي الانشغال عن ذكر الله بأي حال نهارا أو ليلا ، فقال تعالى :
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) أي أكثر من ذكر الله ، وداوم عليه إن استطعت ليلا ونهارا ، وأخلص العبادة لربك ، وانقطع إلى الله انقطاعا بالاشتغال بعبادته ، والتماس ما عنده إذا فرغت من أشغالك وحوائجك الدنيوية ، كما قال تعالى : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [الانشراح ٩٤ / ٧ ـ ٨] أي إذا فرغت من أشغالك فأتعب نفسك في طاعة ربك وعبادته ، لتكون فارغ البال ، واجعل رغبتك إلى الله وحده.
ثم أبان الله تعالى سبب الأمر بالعبادة ، والباعث على التبتل ، فقال :
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) أي إن ربك الذي تذكره ، وتتفرغ لعبادته هو الجدير بالعبادة ، فهو المالك المتصرف في المشارق والمغارب الذي لا إله إلا هو ، وكما أفردته بالعبادة ، فأفرده بالتوكل ، واجعله وكيلا لك في جميع الأمور ، كما قال تعالى : (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ)