المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى أن منكر القيامة والبعث معرض عن آيات الله تعالى ومعجزاته ، وأنه قاصر شهواته على الفجور ، غير مكترث بما يصدر منه ، ذكر حال من يثابر على تعلّم آيات الله وحفظها وتلقفها والنظر فيها وعرضها على من ينكرها ، رجاء قبوله إياها ، ليظهر بذلك تباين حال من يرغب في تحصيل آيات الله ، ومن يرغب عنها ، فتلك الآيات تضمنت حال الإعراض عن آيات الله ، وهذه تضمنت المبادرة إليها بحفظها ، وبضدها تتميز الأشياء (١).
ثم ذكر تعالى سبب إنكار البعث وهو حب الإنسان الدنيا العاجلة ، وترك الآخرة ، ووبخ أهله ، ثم أوضح تعالى انقسام الناس في الآخرة إلى فريقين : فريق المؤمنين المستمتعين بالنعيم وبرؤية الله عزوجل ، وفريق المشركين الذين يترقبون نزول الدواهي العظام من العذاب بهم.
التفسير والبيان :
علّم الله عزوجل رسوله صلىاللهعليهوسلم كيفية تلقي الوحي من الملك جبريل ، فقال : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم حرصا منه على القرآن الموحى به إليه ، يبادر إلى أخذه ، ويسابق الملك في قراءته ، ويحرك شفتيه ولسانه بالقرآن إذا أنزل عليه ، قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي ، حرصا على أن يحفظه صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية.
أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي ، لتأخذه على عجل ، مخافة أن يتفلت منك كما قال تعالى : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ، وَقُلْ : رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه ٢٠ / ١١٤].
__________________
(١) البحر المحيط : ٨ / ٣٨٨