الباب الثاني : ما لزم البناء على السكون أو نائبه ، وهو نوع واحد ، وهو فعل الأمر (١) ، وذلك لأنه يبنى على ما يجزم به مضارعه ؛ فيبنى على السكون في نحو : «اضرب» (٢) وعلى حذف النون في نحو : «اضربا» و «اضربوا» و «اضربي» (٣) وعلى حذف حرف العلة في نحو : «اغز» و «اخش» و «ارم» (٤).
ومن غريب ما يحكى أن بعض من يتعاطى إقراء النحو ببلدنا هذه سمع قول بعض المعربين في قوله عزوجل : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) [طه ، ٤٤] إن (قولا) مبني على حذف النون ، فأنكر ذلك عليه ، وهو قول مشهور بين الطلبة فخفاؤه على من يتصدّى للإقراء غريب.
والفاء في الآية الكريمة عاطفة لقولا على (اذهبا) من قوله تعالى : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) [طه ، ٤٣] وكل منهما فعل أمر وفاعل ، وهما مبنيان على حذف النون ، و (له) جارّ ومجرور متعلق بقولا ، وسمّى ابن مالك هذه اللّام لام التبليغ ، ومثله : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء ، ٥٣] (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) [النور ، ٣٠] (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة ، ١١٧] و (قولا) مفعول مطلق ، و (ليّنا) صفة له ، أي قولا متلطّفا فيه ولا تغلظا عليه ، والقول اللين قد جاء مفسّرا في قوله تعالى : (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) [النازعات ، ١٨ و ١٩].
ثم قلت : أو الفتح ، وهو سبعة : الماضي المجرّد كضرب وضربك وضربا ،
__________________
(١) القول بأن فعل الأمر مبني ، وأن بناءه على ما يجزم به مضارعه ـ هو قول البصريين ، وذهب الكوفيون إلى أنه فعل مضارع مجزوم بلام أمر محذوفة ، وزعموا أن أصل «اضرب» مثلا هو «لتضرب» فحذفت اللام فصار «تضرب» بالجزم ، ثم حذفت التاء لئلا يتوهم أنه فعل غير دال على الأمر ، ثم اجتلبت همزة الوصل لأن الضاد ساكنة ولا يبتدأ بساكن ، وفي هذا الكلام من التكلف والتعسف ما ليس يخفى.
(٢) المراد بنحو «اضرب» كل فعل أمر صحيح الآخر لم تقترن به ألف اثنين ولا واو جماعة ولا ياء مؤنثة مخاطبة.
(٣) المراد بنحو «اضربا» كل أمر اتصل به ألف اثنين ، وبنحو «اضربوا» كل أمر اتصل به واو جماعة ، وبنحو «اضربي» كل أمر اتصل به ياء المؤنثة المخاطبة.
(٤) المراد بنحو «اغز واخش وارم» كل أمر كان آخره حرف علة واوا كالأول أو ألفا كالثاني أو ياء كالثالث.