فاستعملها في غير النداء ؛ فضرورة شاذة ، ويحتمل أن التقدير : قعيدته يقال لها : يا لكاع ؛ فيكون جاريا على القياس.
ويجوز قياسا مطردا صوغ فعال هذا وفعال السّابق ـ وهو الدال على الأمر ـ مما اجتمع فيه ثلاثة شروط ، وهي : أن يكون فعلا ، ثلاثيّا ، تامّا ؛ فيبنى من نزل نزال ، ومن ذهب ذهاب ، ومن كتب كتاب ، بمعنى انزل واذهب واكتب ، ويقال من فسق وفجر وزنا وسرق : يا فساق ، ويا فجار ، ويا زناء ، ويا سراق ، بمعنى يا فاسقة ، يا فاجرة ، يا زانية ، يا سارقة.
ولا يجوز بناء شيء منها من نحو اللصوصيّة ؛ لأنها لا فعل لها ، ولا من نحو دحرج واستخرج وانطلق ؛ لأنها زائدة على الثلاثة ، ولا من نحو كان وظل وبات وصار ؛ لأنها ناقصة لا تامة.
ولم يقع في التنزيل فعال أمرا إلا في قراءة الحسن «لا مساس» [طه ، ٩٧] بفتح الميم وكسر السين ، وهو في دخول «لا» على اسم الفعل بمنزلة قولهم للعاثر إذا دعوا عليه بأن لا ينتعش ـ أي لا يرتفع ـ «لا لعا» ، وفي معاني القرآن العظيم للفراء : ومن العرب من يقول : لا مساس ، يذهب به إلى مذهب دراك ونزال ، وفي كتاب «ليس لابن خالويه» : لا مساس مثل دراك ونزال ، وهذا من غرائب اللغة (١) ، وحمله
______________________________________________________
«لكاع» في الواقع منادى بحرف نداء محذوف ، وهذا المنادى مع الحرف المحذوف مفعول للخبر المحذوف ، وتقدير الكلام : قعيدته مقول لها : يا لكاع ؛ فهو من باب حذف العامل وإبقاء المعمول ، وله نظائر كثيرة ، وذلك كخبر المبتدأ المحذوف وجوبا إذا كان المبتدأ قد وقع بعده حال لا يصح أن يكون خبرا ، نحو «ضربي العبد مسيئا».
__________________
(١) اسم الإشارة في قوله «وهذا من غرائب اللغة» يعود إلى ما ذكره عن الفراء وابن خالويه ، ووجه غرابته أن «لا» النافية دخلت على اسم الفعل ، مع أن اسم الفعل في المشهور من الاستعمال العربي لا يجوز أن يدخل عليه عامل يؤثر فيه ، وذكر العلامة اللقاني أن وجه غرابة هذا الذي نقله المؤلف عن الفراء وابن خالويه أنهما جعلا «لا» النافية مع ما بعدها اسما واحدا ؛ فزعم أنه ركب «لا» مع «مساس» ثم أراد منه الإثبات ، مع أن الأصل في العربية أن «لا» إذا دخلت على اسم صيرته منفيّا ، وههنا صارت هي والاسم بمعنى الإثبات ، ومن هنا تفهم أن اللقاني رحمهالله تعالى ـ يرى أن معنى قوله «لا مساس» امسسني ، بخلاف المعنى على ما ذكرناه أولا ؛ فإن المعنى عليه لا تمسسني ، وهذا هو الموافق للقراءة المشهورة (لا مساس).