ثم قلت : الثاني العلم ، وهو شخصيّ إن عيّن مسمّاه مطلقا كزيد ، وجنسيّ إن دلّ بذاته على ذي الماهيّة تارة وعلى الحاضر أخرى كأسامة.
ومن العلم الكنية ، واللّقب ، ويؤخّر عن الاسم تابعا له مطلقا ، أو مخفوضا بإضافته إن أفردا.
وأقول : الثاني من أنواع المعارف : العلم ، وهو نوعان : علم شخص ، وعلم جنس.
فعلم الشخص عبارة عن «اسم يعيّن مسمّاه تعيينا مطلقا» أي بغير قيد.
فقولنا «اسم» جنس يشمل المعارف والنكرات ، وقولنا «يعين مسماه» فصل مخرج للنكرات ؛ لأنها لا تعين مسماها ، بخلاف المعارف فإنها كلها تعين مسماها ، أعني أنها تبين حقيقته وتجعله كأنه مشاهد حاضر للعيان ، وقولنا «بغير قيد» مخرج لما عدا العلم من المعارف ؛ فإنها إنما تعين مسمّاها بقيد ، كقولك «الرّجل» ؛ فإنه يعين مسماه بقيد الألف واللام ، وكقولك «غلامي» ؛ فإنه يعين مسماه بقيد الإضافة ، بخلاف العلم فإنه يعين مسماه بغير قيد ، ولذلك لا يختلف التعبير عن الشخص المسمّى زيدا بحضور ولا غيبة ، بخلاف التعبير عنه بأنت وهو ، وعبرت في المقدمة عن الاسم بقولي «إن عيّن مسماه» وعن نفي القيد بقولي «مطلقا» قصدا للاختصار.
وعلم الجنس عبارة عما دلّ ... إلى آخره ، وبيان ذلك أنّ قولك «أسامة أشجع من ثعالة» في قوة قولك «الأسد أشجع من الثّعلب» والألف واللام في هذا المثال لتعريف الجنس ، وأن قولك «هذا أسامة مقبلا» في قوة قولك «هذا الأسد مقبلا» والألف واللام في ذلك لتعريف الحضور ، وبقولي «بذاته» من الأسد والثعلب في المثال
______________________________________________________
وهذا التقديم شاذ عند جمهرة النحاة ، وذهب ابن جني وجماعة إلى أنه سائغ لا شذوذ فيه ووجهه عندهم أنه قد كثر في لسان العرب تقديم المفعول على الفاعل وحده تارة نحو (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ) وعلى الفاعل والفعل جميعا تارة أخرى ، نحو قوله تعالى : (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ ،) فلما كثر ذلك ظن أن للمفعول رتبتين ؛ إحداهما التأخر ، والثانية التقدم ، فإذا عاد عليه وهو متأخر لفظا ضمير متصل بالفاعل المتقدم ، فكأنه متأخر لفظا متقدم رتبة ، فاعرف ذلك.