الوحشية وكلا النّقرتين اللتين هما خلفها وأمامها تحسب أنه مولى المخافة ، أي : المكان الذي تؤتى فيه.
والمجرور ، كقوله تعالى : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) [الأنعام ، ٧٠] ف (يؤخذ) فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله ، وهو خال من ضمير مستتر فيه ، و (منها) جار ومجرور في موضع رفع : أي لا يكن أخذ منها ، ولو قدر ما هو المتبادر من أن في (يؤخذ) ضميرا مستترا هو القائم مقام الفاعل ، و (منها) في موضع نصب ، لم يستقم ؛ لأن [ذلك] الضمير عائد حينئذ على (كل عدل) و «كل عدل» حدث ، والأحداث لا تؤخذ ، وإنما [تؤخذ] الذوات ، نعم إن قدر أن (لا يؤخذ) بمعنى لا يقبل صحّ ذلك.
وفهم من قولي «فإن فقد فالمصدر ـ إلى آخره» أنه لا يجوز إقامة غير المفعول به مع وجود المفعول به ، وهو مذهب البصريين إلا الأخفش ، واستدلّ المخالفون بنحو قول الشاعر :
٧٥ ـ أتيح لي من العدا نذيرا |
|
به وقيت الشّرّ مستطيرا |
وبقراءة أبي جعفر «ليجزى قوما بما كانوا يكسبون» (١) فأقيم فيهما الجار والمجرور ، وترك المفعول به منصوبا.
______________________________________________________
٧٥ ـ هذا بيت من الرجز أو بيتان من مشطوره ليزيد بن القعقاع.
اللّغة : «أتيح لي» هيئ لي وقدر ، «نذيرا» مخوفا ومحذرا ، «وقيت الشر» حفظت منه.
__________________
(١) الجاثية ، ١٤ ـ وأبو جعفر يقرأ في هذه الآية بضم الياء من «ليجزى» على أنه فعل مضارع مبني للمجهول ، وينصب «قوما» على أنه مفعول به ليجزى ، ونائب الفاعل هو «بما» وهو الجار والمجرور ؛ فدلت هذه القراءة في هذه الآية الكريمة على جواز إنابة الجار والمجرور مع وجود المفعول به ، ولو أنه قد تقدم المفعول به على النائب عن الفاعل ، وهذا رأي الكوفيين الذين يجوزون إنابة الجار والمجرور عن الفاعل مع وجود المفعول به في الكلام مطلقا ، نعني أنه سواء عندهم أتقدم المفعول به على الجار والمجرور أم تأخر عنه.
وقد رد جمهور البصريين على استدلالهم بهذه القراءة بوجهين :
أولهما : أن الجار والمجرور ليس هو نائب الفاعل ، ولكن الفاعل ضمير مستتر يعود إلى مصدر يجزي وهو الجزاء.
وثانيهما : أن هذه القراءة شاذة ، والقراءة الشاذة لا تصلح للاحتجاج بها ؛ لأنها تشبه ما قد يكون من ضرورات الشعر ، وهذا الجواب ضعيف فيما نرى.