ثم قلت : ولا يحذفان ، بل يستتران ، ويحذف عاملهما : جوازا ، نحو «زيد»
______________________________________________________
المعنى : يريد أن أعداءه قد دبروا له ليوقعوه في شر يتفاقم خطبه ويتطاير شرره ، وأن المقادير هيأت له من ينذره بما بيتوه له ، فكان ذلك سببا في حفظه من الوقوع في الشر.
الإعراب : «أتيح» فعل ماض مبني للمجهول ، «لي» جار ومجرور ، وهو نائب فاعل أتيح ، «من العدا» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من قوله نذيرا الآتي ، وكان أصله صفة له ؛ فلما تقدم عليه أعرب حالا ، «نذيرا» مفعول به ثان لأتيح منصوب بالفتحة الظاهرة ، «به» جار ومجرور متعلق بوقيت الآتي ، «وقيت» وقي : فعل ماض مبني للمجهول ، وتاء المتكلم نائب فاعل ، «الشر» مفعول ثاني لوقي ، ومفعوله الأول هو نائب الفاعل ، «مستطيرا» حال من الشر.
الشّاهد فيه : قوله «أتيح لي نذيرا» فإن أتيح فعل ماض مبني للمجهول ، وأصل هذا الفعل وهو مبني للمعلوم يتعدى إلى مفعولين يصل لأحدهما بنفسه وللآخر باللام ، فتقول : أتاح الله لي ظروفا حسنة ، فلفظ الجلالة هو الفاعل ، والجار والمجرور أحد المفعولين ، وظروفا : هو المفعول الثاني ، ولو أردت أن تبني هذا الفعل للمجهول في مثالنا كنت تقول : أتيحت لي ظروف حسنة ؛ فتغير صورة الفعل ، وتسنده إلى المفعول الذي كان يتعدى إليه بنفسه ، وتترك الجار والمجرور ، إلا أن هذا الشاعر لما بنى الفعل للمجهول أسنده إلى الجار والمجرور مع ذكر المفعول به ؛ بدليل أن هذا المفعول به منصوب ، وهذا جائز عند الكوفيين والأخفش ، ومقصور على ضرورة الشعر عند سائر البصريين.
ومما ورد منه واستدل به أنصار الكوفيين والأخفش قول جرير يهجو الفرزدق :
ولو ولدت قفيرة جرو كلب |
|
لسبّ بذلك الجرو الكلابا |
فقوله «بذلك» جار ومجرور هو نائب فاعل لقوله «سب» الذي هو فعل ماض مبني للمجهول ، و «الكلابا» مفعول ثان منصوب بالفتحة الظاهرة ، فأنت ترى جريرا قد أقام الجار والمجرور مقام الفاعل مع وجود المفعول به حينما اضطرته قافية البيت لذلك.
ومثل هذا البيت أيضا قول الراجز ، وينسب إلى رؤبة بن العجاج :
لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا |
|
ولا شفى ذا الغيّ إلّا ذو هدى |
فقوله «يعن» فعل مضارع مبني للمجهول ، وقوله «بالعلياء» جار ومجرور ، وهو نائب فاعله ، وقوله «سيدا» مفعول به ثان ليعن المبني للمجهول ، وقد أناب هذا الراجز الجار والمجرور كما ترى مع وجود المفعول به ، والدليل على أنه أناب الجار والمجرور ولم ينب المفعول به أنه أتى بالمفعول به منصوبا ، ولو أنابه لرفعه ؛ لما علمت أن من أحكام إنابة المفعول به أنه يرتفع بعد أن كان منصوبا.
ومثل هذه الشواهد قول الشاعر :