ومن النوع الأول ـ أعني المؤنث الظاهر المجازيّ التأنيث ـ أن يكون الفاعل
__________________
الفعل المسند إلى جمع مذكر سالم ؛ وبين البصريين جميعا والكوفيين ـ ومعهم أبو علي الفارسي ـ في الفعل المسند إلى جمع المؤنث السالم.
وقد استدل جمهور الكوفيين وأبو علي الفارسي على جواز التذكير والتأنيث في الفعل المسند لجمع المؤنث السالم بقوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ) [سورة الممتحنة ، ١٢] ؛ فقد جيء بالفعل في هذه الآية الكريمة ـ وهو «جاءك» ـ من غير علامة تأنيث ، مع أن فاعله ـ وهو «المؤمنات» ـ جمع مؤنث سالم ، فدل على أنه يجوز خلو الفعل المسند إلى جمع المؤنث السالم من علامة التأنيث ـ وهذا الوجه هو موضع النزاع بينهم وبين البصريين ـ ولا حاجة بالكوفيين والفارسي إلى الاستدلال على التأنيث ، لأنه محل اتفاق في هذا المثال ونحوه. وأجاب البصريون على استدلال الكوفيين وأبي علي بهذه الآية بثلاثة أجوبة أشار المؤلف إلى جميعها.
أما الجواب الأول : فإنا لا نسلم لكم أن السبب في تذكير الفعل هو كون الفاعل جمع مؤنث سالما ، بل السبب في تذكير الفعل هو الفصل بين الفعل والفاعل بالمفعول الذي هو ضمير المخاطب ، وأنت تعلم أنه إذا فصل بين الفعل والفاعل المؤنث الحقيقي التأنيث فاصل أي فاصل جاز في الفعل التأنيث وعدمه ، تقول : زارتني اليوم هند ، وزارني اليوم هند.
وأما الجواب الثاني : فإنا لا نسلم أن الفاعل في هذه الآية الكريمة هو «المؤمنات» الذي هو جمع مؤنث سالم ، بل الفاعل «أل» الموصولة التي بمعنى اللاتي ، واللاتي ليس جمعا ، بل هو اسم جمع ؛ فيكون الفاعل في الآية الكريمة ـ عند التحقيق ـ اسم جمع ، واسم الجمع يجوز في فعله التأنيث وعدمه بالإجماع.
وأما الجواب الثالث : فإنا لا نسلم أن الفاعل هو «المؤمنات» الذي هو جمع مؤنث سالم ، بل المؤمنات صفة لموصوف محذوف ، وهذا الموصوف المحذوف هو الفاعل حقيقة ، وأصل الكلام : إذا جاءك النساء المؤمنات ، والموصوف المحذوف الذي قدرناه بالنساء اسم جمع ، لا جمع مؤنث سالم ، فحذف التاء سببه أن الفاعل اسم جمع ، ونحن لا نخالفكم في جواز حذف التاء إذا كان الفاعل اسم جمع.
ومما استدل به الكوفيون وأبو علي الفارسي على تجويز خلو الفعل المسند إلى جمع مؤنث سالم من علامة التأنيث قول عبدة بن الطبيب من قصيدة رواها المفضل الضبي في المفضليات :
فبكى بناتي شجوهنّ وزوجتي |
|
والظّاعنون إليّ ، ثمّ تصدّعوا |
حيث أتى بالفعل ـ وهو «بكى» مجردا من تاء التأنيث ، مع كون فاعله جمع مؤنث سالما ـ وهو «بناتي».
وأجاب البصريون عن الاستدلال بهذا البيت بأن الفاعل ـ وإن كان جمع مؤنث سالما ـ قد أشبه جمع التكسير ، بسبب أن مفرده ـ وهو بنت ـ لم يوجد بتمامه في لفظ الجمع ، والأصل في جمع المؤنث السالم أن تسلم فيه صيغة واحدة ، ومن أجل ذلك سموه سالما ؛ فلما أشبه هذا اللفظ جمع التكسير أخذ حكمه ، وهو جواز الوجهين في الفعل المسند إليه ، وإذا جاز في هذا اللفظ الوجهان لهذه العلة لم يلزم جواز الوجهين في كل فعل يسند إلى جمع مؤنث سالم حيث لا توجد هذه العلة.