لأن كنت ذا نفر افتخرت عليّ ، والمراد بالضّبع السّنة المجدبة.
المسألة الثانية : حذف «كان» مع اسمها وإبقاء خبرها ، وذلك جائز لا واجب ، وشرطه : أن يتقدمها «إن» أو «لو» الشرطيتان ؛ فالأول كقوله صلىاللهعليهوسلم : «النّاس مجزيّون بأعمالهم إن خيرا فخير ، وإنّ شرّا فشرّ» فتقديره : إن كان عملهم خيرا فجزاؤهم خير ، وإن كان عملهم شرّا فجزاؤهم شر ، وهذا أرجح الأوجه في مثل هذا التركيب ، وفيه وجوه أخر (١) والثاني كقوله صلىاللهعليهوسلم : «التمس ولو خاتما من حديد» أي ولو كان الذي تلتمسه خاتما من حديد.
______________________________________________________
المعنى : لا ينبغي لك أن تفخر عليّ ؛ لأنك لو افتخرت عليّ لم تجد ما تفخر به إلا أن تذكر أن قومك كثيرو العدد ، وليست كثرة العدد من المفاخر ؛ لأن قومي إنما نقص عددهم وقوفهم في صفوف الجهاد ، وإغاثتهم الملهوف ، وإجابتهم الصريخ ، ولم ينقصهم الجدب ولا الجوع ؛ فهو في المعنى كقول شاعر الحماسة :
إنّي لمن معشر أفنى أوائلهم |
|
قيل الكماة : ألا أين المحامونا |
الإعراب : «أبا» منادى بحرف نداء محذوف ، وأبا مضاف و «خراشة» مضاف إليه ، «أما» هذا لفظ مركب من كلمتين ، الأولى أن المصدرية ، والثانية ما ؛ فأما أن فحرف مصدري ، وأما ما فحرف زائد للتعويض به عن كان المحذوفة ، «أنت» ضمير منفصل اسم كان المحذوفة ، «ذا» خبر كان المحذوفة ، منصوب بالألف نيابة عن الفتحة لأنه من الأسماء الستة ، وذا مضاف و «نفر» مضاف إليه ، «فإن» الفاء حرف دال على التعليل ، إن : حرف توكيد ونصب ، «قومي» قوم : اسم إن ، وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه ، «لم» نافية جازمة ، «تأكلهم» تأكل : فعل مضارع مجزوم بلم ، وضمير الغائبين العائد إلى قومي مفعول به ، «الضبع» فاعل تأكل ، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر إن.
الشّاهد فيه : قوله «أما أنت ذا نفر» حيث حذف كان ، وعوض عنها ما الزائدة ، وأبقى اسمها وهو قوله «أنت» وخبرها وهو قوله «ذا نفر» على ما بيناه في الإعراب وعلى ما هو بين في كلام المؤلف ، وليس يخفى عليك أن المحذوف من الجملة كلها هو كان وحدها بعد الذي نبهناك إليه.
__________________
(١) في هذا التركيب أربعة أوجه مشهورة :
الوجه الأول : «إن خيرا فخيرا ، وإن شرّا فشرّا» بنصب خير وشر في الموضعين جميعا ، وتخريجه على أن خيرا الأول خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، ومثله شرّا الأول ، وخيرا الثاني مفعول ثان لفعل محذوف مع مفعوله