المسألة الثالثة : حذف نون «كان» وذلك مشروط بأمور ؛ أحدها : أن تكون بلفظ المضارع ، والثاني : أن يكون المضارع مجزوما (١) ، والثالث : أن لا يقع بعد النون ساكن ، والرابع : أن لا يقع بعده ضمير متصل ، وذلك نحو (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل ، ١٢٠] (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) [مريم ، ٤] ، ولا يجوز في قولك «كان» و «كن» لانتفاء المضارع ، ولا في نحو «هو يكون» و «لن يكون» لانتفاء الجزم ، ولا في نحو (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) [البينة ، ١] لوجود الساكن ، ولا في نحو قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن يكنه فلن تسلّط عليه ، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله» (٢) لوجود الضمير.
ثم قلت : السّادس اسم أفعال المقاربة ؛ وهي : كاد ، وكرب ، وأوشك ـ لدنوّ
__________________
الأول ، ومثله شرّا الثاني ، وأصل الكلام على هذا : إن كان عملهم خيرا فهم يجزون خيرا ، وإن كان عملهم شرّا فهم يجزون شرّا.
الوجه الثاني : «إن خير فخير ، وإن شر فشر» برفع خير وشر في الموضعين جميعا ، وتخريجه على أن خيرا الأول اسم لكان المحذوفة مع خبرها ، ومثله شر الأول ، وخيرا الثاني خبر لمبتدأ محذوف ، ومثله شر الثاني ، وأصل الكلام على هذا : إن كان في عملهم خير فجزاؤهم خير ، وإن كان في عملهم شر فجزاؤهم شر.
الوجه الثالث : «إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر» بنصب خير وشر الأولين ، ورفع خير وشر الثانيين ، وتخريجه على أن خيرا الأول خبر لكان المحذوفة مع اسمها ، ومثله شر الأول ، وخيرا الثاني خبر مبتدأ محذوف ، ومثله شر الثاني ، وأصل الكلام على هذا : إن كان عملهم خيرا فجزاؤهم خير ، وإن كان عملهم شرا فجزاؤهم شر.
والوجه الرابع : «إن خير فخيرا ، وإن شر فشرّا» برفع خير وشر الأولين ، ونصب خير وشر الثانيين ، بعكس الثالث ، وتخريجه على أن خيرا الأول اسم لكان المحذوفة مع خبرها ، ومثله شر الأول ، وخيرا الثاني مفعول ثان لفعل محذوف مع مفعوله الأول ، وأصل الكلام على هذا : إن كان في عملهم خير فهم يجزون خيرا ، وإن كان في عملهم شر فهم يجزون شرّا.
وأرجح هذه الأوجه الأربعة هو الوجه الثالث ، وهو الذي اقتصر عليه المؤلف هنا ، وأضعفهما هو الوجه الرابع ، وأما الوجهان الأول والثاني فهما في درجة واحدة ، ودرجتهما متوسطة بين الثالث والرابع ، فاعرف ذلك واحرص عليه.
(١) ترك المؤلف هنا شرطا ، وهو أن يكون جزم المضارع بالسكون ، وذلك يقتضي ألا يتصل بألف اثنين ولا واو جماعة ولا ياء مؤنثة مخاطبة.
(٢) قاله عليه الصلاة والسّلام لعمر بن الخطاب رضياللهعنه ، وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه قد حدث أصحابه عن المسيخ الدجال ووصفه لهم ، ثم كانت فتنة ابن صياد ، فلما خرج النبي وأصحابه إليه رأى عمر شبهه قريبا مما سمعه من نعوت المسيخ فهم بأن يقتله ، فقال له النبي ذلك ، يريد أنه إن كان هذا هو المسيخ فإن الذي يقتله هو عيسى ابن مريم كما أخبرتكم ، وإن كان إنسانا غيره وأنت تقتله على أنه هو فلا خير لك في قتله.