كقولهم : «مكره أخاك لا بطل» (١).
ثم قلت : الثّاني المفعول المطلق ، وهو : المصدر الفضلة المؤكّد لعامله أو المبيّن لنوعه أو لعدده ، ك «ضربت ضربا» أو «ضرب الأمير» أو «ضربتين» وما بمعنى المصدر مثله ، نحو : (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) و (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) و (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً.)
وأقول : الثاني من المنصوبات : المفعول المطلق.
وسمي مطلقا لأنه يقع عليه اسم المفعول بلا قيد ، تقول : ضربت ضربا ؛ فالضرب مفعول ؛ لأنه نفس الشيء الذي فعلته ، بخلاف قولك «ضربت زيدا» فإن «زيدا» ليس الشيء الذي فعلته ، ولكنك فعلت به فعلا وهو الضرب ؛ فلذلك سمي مفعولا به ، وكذلك سائر المفاعيل ، ولهذه العلة قدّم الزّمخشريّ وابن الحاجب في الذكر المفعول
______________________________________________________
الشّاهد فيه : قوله «أخاك» حيث يجوز أن يكون منصوبا ، وأن يكون نصبه على الإغراء من غير أن يكون مكررا.
واعلم أن الفرق بين نصبب المكرر ونصب غير المكرر من وجهين :
أولها : أن نصب المكرر واجب ، في كل كلام ، لا يعدل عنه إلا في ضرورة شعرية كقول الشاعر :
إنّ قوما منهم عمير وأشبا |
|
ه عمير ومنهم السّفّاح |
لجديرون بالوفاء إذا قا |
|
ل أخو النّجدة : السّلاح السّلاح |
فأما نصب غير المكرر فإنه جائز ، بل هو أقل من رفعه.
الوجه الثاني : أن عامل النصب مع المكرر لا يجوز إظهاره ؛ لأن التكرار بمنزلة العوض من العامل ، ولا يجتمع العوض والمعوض منه في الكلام ، فأما غير المكرر فإن إظهار العامل معه لا معابة فيه على من نطق به.
__________________
(١) هذا مثل من أمثال العرب ، وأول من قاله رجل اسمه أبو حنش ، وكان قوم من أشجع قد قتلوا إخوته ، وعلم خاله أن ناسا من قتلة أخيه يشربون في غار ، فاحتال عليه حتى أدخله الغار عليهم ، ثم قال له ؛ ضربا أبا حنش ؛ فلم يكن له بد من أن يجدّ في ضربهم ، فقال بعض من شاهده : إن أبا حنش لبطل ، فقال : مكره أخاك لا بطل ، كذا قالوا.