فإن فاعل «تعروني» هو الهزّة ، وفاعل الذّكرى هو المتكلم ؛ لأن التقدير لذكرى إياك.
ثم قلت : الرّابع المفعول فيه ، وهو : ما ذكر فضلة لأجل أمر وقع فيه : من زمان
______________________________________________________
المسالك (رقم ٢٥٣) وكذلك في قطر الندى (رقم ١٠٢) ، وأنشده ابن عقيل (رقم ٢٤٠).
اللّغة : «تعروني» تنزل بي وتصيبني ، «ذكراك» الذكرى ـ بكسر الذال ـ التذكر والخطور بالبال ، «هزة» بكسر الهاء أو فتحها ـ حركة واضطراب ، «انتفض» تحرك واضطرب «القطر» المطر.
الإعراب : «إني» إن : حرف توكيد ونصب ، وياء المتكلم اسمه ، «لتعروني» اللام هي اللام المزحلقة ، وما بعدها فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول به ، «لذكراك» اللام جارة ، ذكرى : مجرور باللام ، والجار والمجرور متعلق بتعرو ، وذكرى مضاف والكاف ضمير المخاطبة مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله ، وفاعل المصدر محذوف ، وأصل الكلام : لذكري إياك ، «هزة» فاعل تعرو ، «كما» الكاف حرف جر ، وما : مصدرية «انتفض» فعل ماض ، «العصفور» فاعله ، وما المصدرية مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لهزة ، وتقدير الكلام : هزة كائنة كانتفاض العصفور ، «بلله» بلل فعل ماض ، والهاء ضمير الغائب العائد إلى العصفور مفعول به ، «القطر» فاعل بلل ، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل نصب حال ، والكثير في مثلها أن تكون مقترنة بقد ، فتقول : كما انتفض العصفور قد بلله القطر ، أو بقد والواو جميعا ، نحو قوله سبحانه وتعالى (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) [الرعد ، ٦] ، ونحو قوله جل ذكره : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) [الأحقاف ، ٢١] وقوله سبحانه (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) [الأحقاف ، ٧] ، أو بالواو وحدها نحو قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) [آل عمران ، ١٦٨].
الشّاهد فيه : قوله «لذكراك» فإن اللام حرف دال على التعليل ، وقد وجب على الشاعر أن يجر به الذكرى ، لما اختلف فاعل الذكرى ، وفاعل العامل ، وبيان ذلك أن الذكرى مصدر ، وهو علة لعرو الهزة ، لكن فاعل الذكرى هو المتكلم ، وفاعل العرو ـ الذي هو العامل ـ هو قوله هزة ، فلما اختلف فاعل المصدر ـ الذي هو علة ـ وفاعل المعلل وجب أن يجره بحرف دال على التعليل ، ولم يجز له أن ينصبه مفعولا لأجله ، وهكذا فعل.