ولما انتهيت إلى هنا استطردت في بقية أنواع المستثنى ، وإن كان بعض ذلك ليس من المنصوبات ألبتة ، وبعضه متردّد بين باب المنصوبات وغيرها ؛ فذكرت أن الكلام إذا كان غير إيجاب ـ وهو النفي والنهي والاستفهام ـ.
فإن كان المستثنى منه محذوفا فلا عمل ل «إلّا» ، وإنما يكون العمل لما قبلها ، ومن ثمّ سمّوه استثناء مفرّغا ؛ لأن ما قبلها قد تفرّغ للعمل فيما بعدها ، ولم يشغله عنه شيء ، تقول : ما قام إلا زيد ، فترفع زيدا على الفاعلية ، وما رأيت إلا زيدا ، فتنصبه على المفعولية ، وما مررت إلا بزيد ، فتخفضه بالباء ، كما تفعل بهنّ لو لم تذكر إلّا.
وإن كان المستثنى منه مذكورا ؛ فإما أن يكون الاستثناء متصلا ـ وهو أن يكون [المستثنى] داخلا في جنس المستثنى منه ـ أو منقطعا ـ وهو أن يكون غير داخل ـ.
فإن كان متصلا جاز في المستثنى وجهان : أحدهما ـ وهو الراجح ـ أن يعرب بإعراب المستثنى منه ، على أن يكون بدلا منه بدل بعض من كل ؛ والثاني : النصب على أصل الاستثناء ، وهو عربيّ جيد ، مثال ذلك في النفي قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) [النور ، ٦] أجمعت السبعة على رفع (أنفسهم) ، وقال تعالى : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء ، ٦٦] قرأ السبعة إلا ابن عامر برفع (قليل) على أنه بدل من الواو في (فعلوه) كأنه قيل ما فعله إلا قليل منهم ، وقرأ ابن عامر وحده (إلا قليلا) بالنصب ، ومثاله في النهي قوله تعالى : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [هود ، ٨١] قريء بالرفع والنصب ومثاله في الاستفهام قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) [الحجر ، ٥٦] أجمعت السبعة على الإبدال من الضمير المستتر في (يقنط) ولو قرئ (الضالين) بالنصب على الاستثناء لم يمتنع ، ولكن القراءة سنّة متبعة.
وإن كان منقطعا فالحجازيون يوجبون نصبه ، وهي اللغة العليا ، ولهذا أجمعت
______________________________________________________
على المبدل منه ؛ لأنه تابع والتابع لا يكون إلا متأخرا عن المتبوع ، وحيث لم يجز في المستثنى المقدم على المستثنى منه أن يكون بدلا لم يبق إلا النصب على الاستثناء ؛ إذ ليس لنا في المستثنى من وجوه الإعراب إلا النصب على الاستثناء أو الإتباع ، ويكون الإتباع حين نجيزه على البدلية ، وكون إتباعه