ثم قلت : والمضارع بعد ناصب ، وهو «لن» أو «كي» المصدريّة مطلقا و «إذن» إن صدّرت وكان الفعل مستقبلا متّصلا أو منفصلا بالقسم أو بلا ، أو بعد «أن» المصدريّة نحو : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) إن لم تسبق بعلم ، نحو : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) فإن سبقت بظن فوجهان نحو : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ.)
وأقول : هذا النوع المكمل للمنصوبات الخمسة عشر ، وهو الفعل المضارع التالي ناصبا ، والنواصب أربعة : لن ، وكي ، وإذن ، وأن.
فأما «لن» فإنها حرف بالإجماع ، وهي بسيطة خلافا للخليل في زعمه أنها مركبة من «لا» النافية و «أن» الناصبة ، وليست نونها مبدلة من ألف خلافا للفراء في زعمه أن أصلها «لا» (١) وهي دالة على نفي المستقبل ، وعاملة النصب دائما ، بخلاف غيرها من الثلاثة ؛ فلهذا قدمتها عليها في الذكر ؛ قال الله عزوجل : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) [طه ، ٩١] (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) [يوسف ، ٨٠] (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) [البلد ، ٥] (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) [القيامة ، ٣] و «أن» في هاتين الآيتين مخففة من الثقيلة ، وأصلها أنّه ، وليست الناصبة ؛ لأن الناصب لا يدخل على الناصب.
وأما «كي» فشرطها أن تكون مصدرية لا تعليلية.
ويتعين ذلك في نحو قوله تعالى : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ)
__________________
(١) رد العلماء مذهب الفراء بوجهين : أحدهما أن «لن» حرف عامل ؛ فإنه ينصب المضارع ويختص به ، و «لا» حرف مهمل ولا يعمل شيئا ، ويدخل على الاسم والفعل ؛ فلو كانت «لن» أصلها «لا» لبقي لها ما كانت عليه من الإهمال وعدم الاختصاص ؛ لأن إبدال حرف من حروف الكلمة بغيره لا يقلب وضعها ولا يغير حالها ؛ فلما وجدنا هذا الفرق بينهما علمنا أنهما أصلان مختلفان ، وليس أحدهما أصلا لصاحبه ، واشتراكهما في المعنى العام ـ وهو النفي ـ لا يفيد شيئا ؛ فإن حروف النفي كثيرة وليس أحدها فرعا عن الآخر ، الوجه الثاني : أن دعوى الفراء تتضمن قلب أوضاع العربية ومخالفة أصولها المتلئبة ؛ وذلك لأنه يدعى أن ألف «لا» قد انقلبت نونا فصارت الكلمة «لن» والمعهود في العربية هو انقلاب النون ألفا ، بعكس ما ذهب إليه الفراء ، ألا ترى أن التنوين في النصب في نحو «رأيت زيدا» تقلب عند الوقف ألفا ، ونون التوكيد الخفيفة في نحو قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) [العلق ، ١٥] ـ تنقلب كذلك ألفا عند الوقف ، وليس لنا في العربية ألف تنقلب نونا في سوى هذه الكلمة على دعوى الفراء حتى نحمل هذه الكلمة عليها أو نستأنس لهذا المذهب بها.