والثالث : نحو : «إذن لا أفعل».
فلو فصل بغير ذلك لم يجز العمل ، كقولك «إذن يا زيد أكرمك».
وأما «أن» فشرط النصب بها أمران :
أحدهما : أن تكون مصدريّة ، لا زائدة ، ولا مفسّرة.
الثاني : أن لا تكون مخفّفة من الثقيلة ، وهي التابعة علما أو ظنّا نزّل منزلته.
مثال ما اجتمع فيه الشرطان قوله تعالى : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء ، ٨٢] (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [النساء ، ٢٧].
ومثال ما انتفى عنه الشرط الأول قولك : «كتبت إليه أن يفعل» إذا أردت بأن معنى أي ؛ فهذه يرتفع الفعل بعدها ؛ لأنها تفسير لقولك كتبت ؛ فلا موضع لها ، ولا لما دخلت عليه ، ولا يجوز لك أن تنصب كما لا تنصب لو صرحت بأي ، فإن قدّرت معها الجار ـ وهو الباء ـ فهي مصدرية ، ووجب عليك أن تنصب بها.
وإنما تكون [أن] مفسّرة بثلاثة شروط :
أحدها : أن يتقدم عليها جملة.
والثاني : أن تكون تلك الجملة فيها معنى القول دون حروفه.
والثالث : أن لا يدخل عليها حرف جر ، لا لفظا ولا تقديرا ، وذلك كقوله تعالى :
______________________________________________________
والمضارع مغتفرا في مواضع أخرى غير هذين ؛ فجوّز ابن عصفور الفصل بالظرف أو الجار والمجرور نحو قولك : إذن أمام الأستاذ ـ أو في البيت ـ أكرمك ، وجوز ابن بابشاذ الفصل بالنداء أو بالدعاء ؛ فالأول كقولك : إذن يا محمد أكرمك ، والثاني كقولك : إذن غفر الله لك أكرمك ، وجوز الكسائي وهشام الفصل بمفعول الفعل المضارع نحو قولك : إذن صديقك أكرم.
والذي ذهب إليه المؤلف رحمهالله ـ من عدم اغتفار الفصل إلا في الحالتين اللتين ذكرهما ـ خير مما ذهب إليه هؤلاء جميعا ؛ إذ لم يسمع عن العرب الذين يحتج بكلامهم إعمال إذن مع الفصل بشيء مما ذكروه زيادة على ما ذكره هو ، وإنما زادوا هم هذه الأشياء قياسا على ما ذكره المؤلف ، لأنهم وجدوها مما يكثر الاعتراض به بين العامل والمعمول ـ نحو قولك : أرأيت يا زيد ما فعل محمد ، وقولك : أسمعت غفر الله لك ما قال خالد ـ فأجازوا الاعتراض بها بين إذن ومعمولها من أجل ذلك ، والاعتماد في اللغة على النص أقوى من الاعتماد على القياس.