وينتصب الفعل المضارع بأن مضمرة جوازا ؛ لا وجوبا ؛ بعد أربعة أحرف ، وهي : الفاء ، وثم ، والواو ، وأو ، وذلك إذا عطفن على اسم صريح.
مثال ذلك بعد «أو» قول الله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ) [الشورى ، ٥١] يقرأ في السبع برفع (يرسل) ونصبه ، وقال أبو بكر بن مجاهد المقرئ رحمهالله : قرئ (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي) [هود ، ٨٠] بنصب (آوي) ولا وجه له ، وردّ عليه ابن جني في محتسبه وغيره ، وقالوا : وجهها كوجه قراءة أكثر السبعة (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) بالنصب ، وذلك لتقدم الاسم الصريح ، وهو (قوّة) فكأنه قيل : لو أن لي بكم قوة أو إيواء إلى ركن شديد.
ومثال ذلك بعد الواو قول ميسون بنت بحدل :
١٥٦ ـ للبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف |
______________________________________________________
السابق ، وضمير المخاطبين مضاف إليه ، «المودة» اسم يكون «والإخاء» معطوف عليه.
الشّاهد فيه : قوله «ويكون» حيث نصب الفعل المضارع ، الذي هو قوله يكون ، بأن المضمرة وجوبا بعد واو المعية الواقعة في جواب الاستفهام.
واعلم أن ههنا ثلاثة أشياء ، الأول : أن الرواة متفقون على رواية هذا البيت بنصب «ويكون» والثاني : أن العلماء يختلفون في جواز نصب الفعل المضارع بعد فاء السببية وواو المعية في جواب الاستفهام التقريري ، فمنهم من قال : نصب المضارع في جواب الاستفهام خاص بالاستفهام الحقيقي ، والثالث : أن الاستشهاد بهذا البيت إنما يتم على مذهب من يرى التسوية بين الاستفهام التقريري والاستفهام الحقيقي ، فأما على رأي من قال : ينتصب المضارع بعد الفاء أو الواو في جواب الاستفهام الحقيقي ـ فلا يكون في هذا البيت شاهد لما نحن فيه ، ويكون انتصاب «يكون» بعد الواو في جواب النفي ، وهو شاهد غير الذي أنشد الشارح البيت من أجله.
والخلاصة أن «يكون» في هذا البيت منصوب بأن مضمرة بعد واو المعية البتة ، غاية ما في الباب أنه في جواب الاستفهام عند قوم ، وفي جواب النفي عند قوم آخرين ، ومن هنا تعرف السر في اتفاق الرواة على النصب.
١٥٦ ـ هذا بيت من الوافر لامرأة اسمها ميسون بنت بحدل ، وكانت امرأة من أهل البادية فتزوجها معاوية بن أبي سفيان ونقلها إلى الحاضرة فكانت تكثر من الحنين إلى أهلها ، ويشتد بها