المسألة الثالثة : حذف أداة الشرط وفعل الشرط.
وشرطه أن يتقدم عليهما طلب بلفظ الشرط ومعناه ، أو بمعناه فقط ؛ فالأول نحو «ائتني أكرمك» تقديره : ائتني فإن تأتني أكرمك ، فأكرمك : مجزوم في جواب شرط محذوف دلّ عليه فعل الطلب المذكور ، هذا هو المذهب الصحيح (١) والثاني نحو قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) [الأنعام ، ١٥١] أي تعالوا فإن تأتوا أتل ، ولا يجوز أن يقدّر فإن تتعالوا ؛ لأن تعال فعل جامد لا مضارع له ولا ماضي حتى توهم بعضهم أنه اسم فعل.
ولا فرق بين كون الطلب بالفعل كما مثلنا ، وكونه باسم الفعل كقول عمرو بن الإطنابة ، وغلط أبو عبيدة فنسبه إلى قطريّ بن الفجاءة :
١٧٤ ـ أبت لي عفّتي وأبى بلائي |
|
وأخذى الحمد بالثّمن الرّبيح |
وإمساكي على المكروه نفسي |
|
وضربي هامة البطل المشيح |
______________________________________________________
الشّاهد فيه : قوله «وإلا يعل» حيث حذف فعل الشرط ، لكونه معلوما من سابق الكلام ، ولكون أداة الشرط إن المدغمة في لا النافية ، وليس يجوز حذف الشرط إلا على مثل هذه الصورة ، وهو مع ذلك قليل بالنسبة لحذف الجواب المدلول عليه ، على نحو ما ذكر المؤلف.
١٧٤ ـ هذه الأبيات الأربعة من الوافر ، وهي ـ كما قال المؤلف ـ لعمرو بن الإطنابة والإطنابة : اسم أمه وهو عمرو بن زيد مناة ، وقد أنشد المؤلف عجز ثالث هذه الأبيات في أوضحه (رقم ٥٠٤) وفي القطر (رقم ١١٧) وسينشد عجز ثالثها مرة أخرى في باب اسم الفعل من هذا
__________________
(١) الذي ذكره المؤلف ـ من أن المضارع المجزوم بعد الطلب مجزوم بأداة شرط محذوفة مع فعل شرط موافق للطلب المتقدم في معناه وحده أو في معناه ولفظه جميعا ـ هو مذهب الجمهور من العلماء ، وقد حكم المؤلف عليه بأنه هو المذهب الصحيح ، ومقابله ما ذهب إليه الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه شيخ النحاة وأبو سعيد السيرافي شارح كتاب سيبويه وأبو علي الفارسي الفسوي شيخ ابن جني ، ومذهب هؤلاء جميعا أن الجازم لهذا المضارع هو نفس الطلب المتقدم عليه ، ومع اتفاقهم على هذا المقدار تجدهم يختلفون في تعليل المسألة : فأما الخليل وسيبويه فيعللان ذلك بأن الطلب المتقدم إنما جزم المضارع المتأخر عنه لكون ذلك الطلب قد تضمن معنى حرف الشرط ، ونظير ذلك أسماء الشرط كمتى وحيثما ، فإنها إنما جزمت لأنها تضمنت معنى حرف الشرط الذي هو إن ، وأما السيرافي والفارسي فيعللان ذلك بأن الطلب إنما جزم المضارع المتأخر عنه لكونه قد ناب مناب فعل الشرط كما أن المصدر ينصب المفعول به في نحو قولك «ضربا زيدا» لأنه ناب مناب فعل الأمر ، ووقع موقعه ، هكذا قالوا ، وكلا التعليلين غير مستقيم ، لا جرم كان مذهب الجمهور هو الصحيح.