إحداهما : «إن قام زيد أقوم» وقول الشاعر :
١٧٥ ـ وإن أتاه خليل يوم مسألة |
|
يقول : لا غائب مالي ولا حرم |
______________________________________________________
١٧٥ ـ هذا بيت من البسيط من كلام زهير بن أبي سلمى المزني ، من قصيدة له يمدح فيها هرم بن سنان المري ، ومطلعها :
__________________
الجواب وليست الجواب نفسه؟ فذهب سيبويه وجمهور النحاة إلى أن الجملة المتقدمة ليست بالجواب ، ولكنها دليل عليه ، وهذا هو الذي ذهب إليه المؤلف ، وذهب أبو العباس المبرد وأبو زيد وجمهرة الكوفيين إلى أن هذه الجملة هي جواب الشرط.
والذي ذهب إليه سيبويه والجمهور أصح دليلا ، وأقرب مأخذا ، والدليل على ذلك من وجوه :
أولها : أن الجملة المتقدمة قد تكون جملة اسمية غير مقترنة بالفاء ولا بإذا الفجائية ، كالمثال الذي ذكره المؤلف ، والجملة الاسمية التي بهذه المنزلة لا تصلح لأن تكون جوابا ، كما علمت مما سبق ، وكذلك الجملة الفعلية التي فعلها جامد ، كما لو قلت : عسى أن تنجح إن اجتهدت.
والوجه الثاني : أن الجوازم من العوامل الضعيفة ، والعامل الضعيف لا يقوى على العمل وهو متأخر عن معموله.
والوجه الثالث : أنه لو كان المتقدم هو الجواب لوجب ـ إن كان فعلا مضارعا ـ أن يكون مجزوما ، والعرب تقول نحو قولك «يراك الناس أهلا للمودة إن صدقت» فلا يجزمون المضارع المتقدم ، ولو كان هو الجواب نفسه لوجب جزمه.
والوجه الرابع : أنهم لا يصنعون ذلك إلا إذا كان فعل الشرط التالي للأداة ماضيا لفظا ومعنى ، كالأمثلة التي سقناها ، أو كان ماضيا معنى فقط ، نحو قولك : أنت محبوب إن لم تخن أمانتك ، وهو الموضع الذي يحذف فيه جواب الشرط ، فلما وجدناهم يلتزمون ماضوية فعل الشرط لفظا أو معنى علمنا أنهم يرون الجواب محذوفا ؛ لأن الجواب لا يشترط فيه ذلك.
فإن قلت : هل هناك فرق معنوي بين أن أقول : أنت ظالم إن فعلت ذلك ، وأن أقول : إن فعلت ذلك فأنت ظالم ، كما كان بين الكلامين هذا الفرق الصناعي الذي ذكرته في مذهب سيبويه والجمهور ، وبعبارة أخرى : هل ثمة فرق بين أن أبني الكلام على شرط يتأخر عن جوابه وبين أن أبنيه على دليل جواب متقدم على أداة الشرط وفعله؟
فالجواب : أن بين الكلامين فرقا واضحا ، وتلخيصه أنك إذا قلت «أنت ظالم إن فعلت» إنما بنيت كلامك في أول الأمر على الإخبار بظلم المخاطب ، قاطعا به ، جازما بثبوته له ، ثم بدا لك أن تعلقه على فعل من الأفعال ، أما إذا قلت «إن فعلت ذلك فأنت ظالم» فإنما بنيت كلامك من أول الأمر على التردد في ثبوت الظلم لمخاطبك والشك فيه ، سواء أكان المترجح عندك ثبوته له أم انتفاؤه عنه ، بحسب ما تستعمله من أدوات الشرط ، وهذا الفرق المعنوي يؤيد أن بينهما فرقا صناعيّا ؛ فافهم ذلك واحرص عليه ، وانظر في هذا المبحث الكامل للمبرد (١ ـ ٧٨).