واحترزت من ظن بمعنى اتهم فإنها تتعدى لواحد نحو قولك «عدم لي مال فظننت زيدا» ومنه قوله تعالى : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) [التكوير ، ٢٤] أي ما هو بمتّهم على الغيب ، وأما من قرأ بالضاد فمعناه : ما هو ببخيل ، وكذلك علم بمعنى عرف ، نحو : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) [النحل ، ٧٨] ورأى من الرأي ، كقولك : «رأى أبو حنيفة حلّ كذا ، أو حرمته» وحجا بمعنى قصد نحو : «حجوت بيت الله» ومن وجد بمعنى حزن أو حقد ؛ فإنهما لا يتعديان بأنفسهما ، بل تقول : «وجدت على الميت» و «حقدت على المسيء».
ثم اعلم أن لأفعال القلوب ثلاث حالات : الإعمال ، والإلغاء ، والتعليق.
فأما الإعمال فهو نصبها المفعولين ، وهو واجب إذا تقدمت عليهما (١) ولم يأت بعدها معلّق ، نحو : «ظننت زيدا عالما» ، وجائز إذا توسطت بينهما نحو : «زيدا ظننت عالما» أو تأخرت عنهما ، نحو : «زيدا عالما ظننت».
وأما الإلغاء فهو : إبطال عملها إذا توسّطت أو تأخرت ؛ فتقول «زيد ظننت عالم» و «زيد عالم ظننت» والإلغاء مع التأخر أحسن من الإعمال ، والإعمال مع التّوسّط أحسن من الإلغاء ، وقيل : هما سيّان.
وأما التعليق فهو : إبطال عملها في اللفظ دون التقدير ؛ لاعتراض ما له صدر الكلام بينها وبين معموليها ، وهو واحد من أمور عشرة :
أحدها : لام الابتداء نحو «علمت لزيد فاضل» وقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [البقرة ، ١٠٢].
__________________
(١) هذا مذهب البصريين ، وزعم علماء الكوفة أنه يجوز الإلغاء مع تقدم العامل وعدم ذكر معلق بعده ، واستدلوا على ذلك بقوله :
أرجو وآمل أن تدنو مودّتها |
|
وما إخال لدينا منك تنويل |
والبصريون يجعلون هذا البيت إما من قبيل الإلغاء ؛ لأن الفعل غير واقع في أول الكلام بسبب تقدم حرف النفي عليه ، وزعموا أن من شرط وجوب الإعمال عندهم زيادة على ما ذكر المؤلف ألا يتقدم على الفعل شيء في الكلام ؛ فشروط وجوب الإعمال عندهم ثلاثة ، وإما أن يكون البيت من قبيل التعليق بتقدير لام الابتداء بين الفعل ومعمولاته ، والتقدير : وما إخال لدينا منك تنويل.