الثانية : أن العرب اختلفوا في إجراء القول مجرى الظن في نصب المفعولين على لغتين :
فبنو سليم يجيزون ذلك مطلقا ؛ فيجوزون أن تقول «قلت زيدا منطلقا».
وغيرهم يوجب الحكاية فيقول «قلت زيد منطلق» ولا يجيز إجراء القول مجرى الظن إلا بثلاثة شروط :
أحدها : أن تكون الصيغة «تقول» بتاء الخطاب (١).
الثاني : أن يكون مسبوقا باستفهام (٢) :
الثالث : أن يكون الاستفهام متصلا بالفعل ، أو منفصلا عنه بظرف أو مجرور أو مفعول.
مثال المتصل قولك «أتقول زيدا منطلقا» وقول الشاعر :
١٩٧ ـ متى تقول القلص الرّواسما |
|
يدنين أمّ قاسم وقاسما |
______________________________________________________
١٩٧ ـ هذا بيت من الرجز المصرع أو بيتان من مشطوره من كلام هدبة بن خشرم العذري ، وقد أنشده ابن عقيل (رقم ١٣٥) والأشموني في باب ظن وأخواتها (رقم ٢٤٣).
__________________
(١) قد سوى أبو سعيد السيرافي «قلت» بالمضارع المبدوء بتاء الخطاب ، وسوى الكوفيون «قل» الذي هو فعل أمر بالمضارع المبدوء بتاء الخطاب ، ووجه التسوية في هذين القولين أن الماضي المسند إلى تاء المخاطب والأمر ، كلاهما يشبه المضارع المبدوء بتاء الخطاب بجامع اشتمال الصيغ الثلاثة على الدلالة على الخطاب ، وورد إجراء الماضي المسند إلى تاء المتكلم مجرى الظن في قول الحطيئة يصف جملا.
إذا قلت أنّي آيب أهل بلدة |
|
وضعت بها عنه الوليّة بالهجر |
ووجه الاستشهاد بهذا البيت أن الرواية فيه بفتح همزة «أني» فلو لم تكن «قلت» بمعنى ظننت لوجب أن تكسر الهمزة ، لما علمت من أن كسر الهمزة واجب بعد القول الذي تقصد به الحكاية ، كما في قوله تعالى : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) [مريم ، ٣٠].
(٢) قد ورد إجراء «تقول» مجرى الظن من غير أن يتقدم عليه استفهام في قول امرئ القيس يصف فرسا :
إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه |
|
تقول هزيز الرّيح مرّت بأثأب |
ووجه الاستشهاد أن الرواية فيه بنصب «هزيز الريح» على أنه مركب إضافي مفعول أول لتقول ، وجملة «مرت بأثأب» في محل نصب مفعول ثان ، والشأوان : مثنى شأو ، وهو السبق ، والعطف ـ بكسر فسكون ـ الجانب ، وابتلال عطفه كناية عن سرعة سيره حتى يتصبب عرقه ، وهزيز الريح : دويها عند هبوبها ، وأثأب : اسم جمع واحده أثأبة وهي شجرة.