ثم قلت : الثّالث المثال ، وهو : ما حوّل للمبالغة من فاعل إلى فعّال أو مفعال أو فعول ، بكثرة ، أو فعيل أو فعل ، بقلّة.
وأقول : الثالث من الأسماء العاملة عمل الفعل : أمثلة المبالغة ، وهي عبارة عن الأوزان الخمسة المذكورة ، محوّلة عن صيغة فاعل (١) ؛ لقصد إفادة المبالغة والتكثير.
وحكمها حكم اسم الفاعل ؛ فتنقسم إلى ما يقع صلة لأل فتعمل مطلقا ، وإلى مجرد عنها فتعمل بالشرطين المذكورين.
ومثال إعمال فعّال قولهم «أما العسل فأنا شرّاب» وقول الشاعر :
٢٠٧ ـ أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها |
|
وليس بولّاج الخوالف أعقلا |
______________________________________________________
وقول ليلى صاحبة قيس المعروف بمجنون ليلى :
ألا ليت شعري والخطوب كثيرة |
|
متى رحل قيس مستقلّ وراجع؟ |
وقول محمد بن مناذر أحد شعراء البصرة يرثي رجلا اسمه عبد الحميد (انظر مباحث أفعال المقاربة من هذا الكتاب) :
ليت شعري وهل درى حاملوه |
|
ما على النّعش من عفاف وجود؟ |
٢٠٧ ـ هذا بيت من الطويل من كلام القلاخ بن حزن بن جناب ، والقلاخ : بضم القاف وبعدها لام مفتوحة مخففة وآخره خاء معجمة ، والبيت من شواهد المؤلف في أوضح المسالك (رقم ٣٧٢) وفي القطر (رقم ١٢٦) وابن عقيل (رقم ٢٥٥) وقبل البيت الشاهد قوله :
فإن تك فاتتك السّماء فإنّني |
|
بأرفع ما حولي من الأرض أطولا |
__________________
(١) الأصل في صيغ المبالغة أن تؤخذ من مصدر الفعل الثلاثي ؛ فلهذا قال عنها «محولة عن صيغة فاعل» وقد وردت بعض كلمات مأخوذة من غير الثلاثي ، من ذلك قولهم : دراك ، وسئار ، وهما من أدرك وأسأر ، وقولهم : فلان معطاء ومهوان ، وهما من أعطى وأهان ، وقولهم : سميع ونذير ، من أسمع وأنذر ، وقولهم : زهوق ، من أزهق ، وهي ألفاظ شاذة عن القياس المتلئب في كلام العرب ؛ فلا يعترض بها على ما ذكره المؤلف.
وإنما قلنا إن هذه الصفات المذكورة مأخوذة من مصدر الأفعال المذكورة لأن الثلاثي المجرد من مواد هذه الأفعال غير مستعمل ، وقد يقال : إنها أخذت من مصدر الثلاثي قبل أن يهمل العرب استعمال هذا الثلاثي ، أو بعد أن جردوا الفعل من زياداته ، ويؤيد هذا أن جميع أفعال هذه الكلمات من الثلاثي المزيد فيه وليس فيها من الرباعي المجرد شيء.