الرابع : أنه يجوز في مرفوعها النصب والجر ، ولا يجوز في مرفوع اسم الفاعل إلا الرفع.
ثم بيّنت أن الخفض له وجه واحد وهو الإضافة ، وأن الرفع له وجهان ؛ أحدهما : أن يكون فاعلا ، والثاني : أن يكون بدلا من ضمير مستتر في (١) الصفة ، وأن النصب فيه تفصيل ، وذلك أن المنصوب إن كان نكرة ففيه وجهان ؛ أحدهما : أن يكون انتصابه على التشبيه بالمفعول به ، والثاني : [أن يكون] تمييزا وإن كان معرفة امتنع كونه تمييزا ، وتعين كونه مشبها بالمفعول به ، لأن التمييز لا يكون إلا نكرة (٢).
__________________
والذي ذهب إليه ابن الناظم غفلة عما أراده العلماء من معمول الصفة المشبهة الذي اشترطوا سببيته وتأخره ، وبيان ذلك أن معمول الصفة المشبهة على ضربين :
الأول : المعمول الذي تعمل به بحق شبهها باسم الفاعل المتعدي فعله إلى واحد ، وذلك هو المفعول به.
والضرب الثاني : المعمول الذي تعمل الصفة فيه بما فيها من معنى الفعل ، وهو الظرف والجار والمجرور.
فالضرب الأول هو الذي اشترط العلماء فيه الشرطين المذكورين ، والضرب الثاني لا يشترط فيه شيء منهما ، وذلك لأن الظرف والجار والمجرور يتعلقان بالفعل التام والناقص ويتعلقان كذلك بالاسم ، ويتعلقان بالحروف إذا تضمنت معنى فعل كحرف النفي ، وبالجملة يكتفيان برائحة الفعل ، و «بك» في المثال المذكور من الضرب الثاني.
(١) ذهب أبو علي الفارسي إلى أنك إذا قلت «زيد حسن الوجه» بتنوين حسن ورفع الوجه ـ يكون الوجه بدل بعض من كل من ضمير مستتر في حسن عائد على زيد ، لأن الوجه بعض زيد ، واستشكل النحاة ذلك الكلام ، وبنوا استشكالهم على ما رواه الفراء من قول العرب «مررت بامرأة حسن الوجه» بتنوين حسن ورفع الوجه ، قالوا : لو كان الوجه بدل بعض من كل للزم أمران : الأول أن يقال حسنة بالتأنيث ، والثاني أن يتصل بالبدل ضمير يعود على المبدل منه ، والجواب أنا لا نسلم صحة هذا المثال ، ثم إذا سلمنا صحته فإما أن نوجب فيه وفي مثله الرفع على الفاعليه ، ونجوز البدلية في نحو المثال الذي ذكرناه أولا ، وإما أن نجوز البدلية في هذا كما نجوزها في غيره ، وندعي أن التذكير باعتبارها شخصا أو إنسانا أو نحوه ، وأل في «الوجه» عوض عن الضمير ، فافهم ذلك واحرص عليه.
(٢) اعلم أن العلماء قد اختلفوا في معمول الصفة المشبهة المنصوب ، ولهم في ذلك أربعة أقوال :
الأول : وهو مذهب جمهرة الكوفيين ـ أن انتصابه على التمييز مطلقا ، نعني سواء كان نكرة أم معرفة ، وعندهم أن التمييز قد يكون معرفة ، كما في قول الشاعر :
رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا |
|
صددت وطبت النّفس يا قيس عن عمرو |
والقول الثاني : وهو مذهب جمهور البصريين ، واختاره ابن الحاجب ـ التفصيل بين أن يكون المعمول نكرة وأن يكون معرفة ، فإن كان نكرة فهو منصوب على التمييز لا غير ، وإن كان معرفة فهو منصوب على التشبيه بالمفعول به لا غير ، وذلك لأنهم لا يسوغون مجيء التمييز معرفة ، ويرون أن «أل» في قول الشاعر «وطبت النفس» زائدة لا تفيد التعريف.